الإهانة الحاصلة له منذ رجوع موسى من الطّور حتى وفاة هارون عليهالسلام ... وكأنّ ( الدهلوي ) فرض تحقق النبوّة الإستقلالية له بمجرّد رجوع موسى وانعزاله عن خلافته!
وقد تنبّه إلى هذا التوهّم في باب المطاعن ، وعدل عن إثبات النبوّة المذكورة له بعد موسى ، وادّعى حصولها له في حياته ، وحاول أن يرفع بذلك الإشكالَ بلزوم النقص من العزل.
لكنّ غيره من الأئمة السنيّة التجأ إلى زعم وقوع عزل هارون بعد موت موسى ، وجَعْل حصول النبوّة الإستقلالية له دافعاً لإهانة العزل :
قال في ( شرح المواقف ) : « الجواب : منع صحة الحديث كما منعه الآمدي ، وعندالمحدثين إنه صحيح وإنْ كان من قبيل الآحاد. أو نقول على تقدير صحّته : لا عموم له في المنازل ، بل المراد إستخلافه على قومه في قوله : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) لاستخلافه على المدينة. أي : المراد في الحديث أن عليّاً خليفة منه على المدينة في غزوة تبوك ، كما أن هارون كان خليفةً لموسى في حال غيبته ، ولا يلزم دوامه ، أي دوام استخلاف موسى بعد وفاته ، فإن قوله : ( اخْلُفْنِي ) لا عموم له بحيث يقتضي الخلافة في كلّ زمان ، بل المتبادر استخلافه مدّة غيبته ، ولا يكون حينئذٍ عدم دوامه بعد وفاة موسى ـ لقصور دلالة اللفظ عن استخلافه فيه ـ عزلاً ، كما لو صرّح بالإستخلاف في بعض التصرّفات دون بعضها ، ولا عزله إذا انتقل إلى مرتبةٍ أعلى ـ وهو الإستقلال بالنبوّة ـ منفّراً ، يعني وإنْ سلّمنا تناول اللفظ لما بعد الموت ، وأن عدم بقاء خلافته بعده عزله ، لم يكن ذلك العزل منفّراً عنه ، وموجباً لنقصانه في الأعين.
وبيانه : إنه وإنْ عزل عن خلافة موسى ، فقد صار بعد العزل مستقلاًّ بالرسالة والتصرف عن الله تعالى ، وذلك أشرف وأعلى من كونه مستخلَف