فعرفنا بالخبر الصحيح ، حصول ذلك الكمال من قبل خلق آدم لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من ربّه سبحانه ، وأنه أعطاه النبوة من ذلك الوقت ... فالنبي هو نبي الأنبياء. ولهذا أظهر ذلك في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه ، وفي الدنيا كذلك ليلة الإسراء صلّى بهم ... فلو وجد في عصرهم لزمهم اتّباعه بلا شك ...
فنبوّته ورسالته أعم وأشمل وأعظم ، ومتفقه مع شرائعهم في الاصول ، لأنها لا تختلف ، وتقدّم شريعته فيما يقع الإختلاف فيه من الفروع ، إمّا على سبيل التخصيص وإمّا على سبيل النسخ ...
وإنما يختلف الحال بين ما بعد وجود جده صلّى الله عليه وسلم وبلوغه الأربعين ، وما قبل ذلك ، بالنسبة إلى المبعوث إليهم وتأهّلهم لسماع كلامه ، لا بالنسبة إليه ولا إليهم لو تأهّلوا قبل ذلك ... » (١).
وقال الشيخ عبد القادر العيدروس : « إعلم أنّ الله سبحانه لمّا أراد إيجاد خلقه أبرز الحقيقة المحمدية من أنواره الصمدية في حضرته في المصدر الاحمدية ، ثم سلخ منها العوالم كلها ، علوها وسفلها ، على ما اقتضاه كمال حكمته وسبق في إرادته وعلمه ، ثم أعلمه تعالى بكماله ونبوّته ، وبشّره بعموم دعوته ورسالته ، وبأنه نبي الأنبياء وواسطة جميع الأصفياء وأبوه آدم بين الروح والجسد.
ثم انبجست منه عيون الأرواح ، فظهر ممدّاً لها في عالمها المتقدم على عالم الأشباح ، وكان هو الجنس العالي على جميع الأجناس ، والأب الأكبر لجميع الموجودات والناس. فهو ـ وإنْ تأخّر وجود جسمه ـ متميّز على العوالم كلّها برفعته وتقدمه ، إذ هو خزانة السر الصمداني ومحتد تفرّد الإمداد الرحماني.
وصحّ في مسلم أنه صلّى الله عليه وسلّم قال : إن الله تعالى كتب مقادير الخلق قبل أنْ يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ،
__________________
(١) الخصائص الكبرى ١ / ٤.