ليعطي رأيه في تلك القراءة بأنها ليست إلا وجها إعرابيا مختلفا ، فقديما قيل : توجيه القراءة الشاذة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة ؛ ومن ذلك ما قاله عند إعرابه ل «مالك» من سورة الاستفتاح ، قال : «وإنما نذكر هذه الوجوه ، ليعلم تصرّف الإعراب ومقاييسه ، لا لأن يقرأ به ، فلا يجوز أن يقرأ إلا بما روي وصح عن الثقات المشهورين عن الصحابة والتابعين ، رضي الله عنهم ، ووافق خط المصحف». ومثله في موضع آخر من الكتاب : «وكلما قرأنا في كتابنا هذا وفي غيره ، من قراءة أبيّ وغيره ، مما يخالف خط المصحف ، فلا يقرأ به لمخالفته المصحف ، وإنما نذكره شاهدا لا ليقرأ به ، فاعلم ذلك» (١). يلجأ أحيانا إلى التفسير ، للاستعانة به في توضيح وجه إعرابي. ينقل في كتابه عن أئمة النحو ممن سبقه ، من مثل : سيبويه ، والأخفش ، والكسائي ، والفراء ، والنحاس وغيرهم ، وكثيرا ما كان يغفل ذكر أسماء من نقل عنهم. استخدم في الإعراب مصطلحات غير مألوفة لدينا اليوم ، من مثل : «لا التبرئة» أي «لا» النافية للجنس ، و «مفعول على السعة» إذا أريد الاتساع بالظرف ومعاملته معاملة المفعول به ، ويسمي التمييز ب : «التفسير» أو «البيان» ، وضمير الفصل ب : «العماد» ، واستعمل كلمة «تكرير» وأراد بها بدل الاشتمال ، و «استثناء ليس من الأول» أي استثناء منقطعا ، و «المجهول» وأراد به الضمير المحذوف ، و «القطع» بدل الاستئناف ... والمؤلف ـ رحمهالله ـ يوجّه الإعراب في الآيات حسب التفسير المأثور عن السلف الصالح من أهل السنة ، وقد يصرح أحيانا بنقد ما ذهب إليه المخالفون من المعتزلة وغيرهم ؛ وينعتهم بأهل الزيغ (٢).
والكتاب من مؤلفات مكي المبكرة ، فقد ذكر ابن الجزري في (طبقات القراء) (٣) أنه ألّف كتاب (المشكل) في الشام ببيت المقدس سنة
__________________
(١) المشكل فقرة ١١١٤.
(٢) المشكل فقرة ١١٦٧ ، ١٨٦١ ، ١٨٦٨.
(٣) طبقات القراء ٢ / ٣٠٩.