وكفى في معرفة الدكتور مقالاته الصريحة في نفي الاحتجاج بالسنة مطلقا ، وقصر الاحتجاج على القرآن ، ومن جملة ما قاله في (١١ ـ ٣٧٠) : «واعلم أنّ المسلم لا يجب عليه الإيمان بأنه سيجيء يوم القيامة (هكذا) والظاهر أنّ هذه عقيدة سرت من النّصارى إلى المسلمين ، ولم يأت بها القرآن ، والأحاديث لا يؤخذ بها في العقائد إلا إذا تواترت ، وليس في هذه المسألة حديث متواتر».
فيعلم من ذلك أنه قدوة كاتب المقال ، كما أنه قدوة الحدثاء الذين تحدّثوا في المسألة على خلاف ما عليه الجماعة ، ولكاتب المقال قدوة آخر في الباب ، وهو ابن هود الدمشقيّ ، وكان أصحابه يعتقدون فيه أنه المسيح ابن مريم ، ويقولون : إنّ أمّة كان اسمها مريم .. ويعتقدون أنّ قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «ينزل فيكم ابن مريم» ، هو هذا ، وأنّ روحانيّة عيسى تنزل عليه.
وابن تيمية بيّن لهم فساد دعواهم بالأحاديث الصحيحة الواردة في نزول عيسى ، وأنّ ذلك الوصف لا ينطبق على هذا ، وكان منهم من يفسّر طلوع الشمس من مغربها : بطلوع كلامهم ، وبطلوع النّفس من البدن ، ونزول عيسى ابن مريم من السماء : بنزول روحانيّته أو جزئيته على هذا الشخص.
فإذا وصل التقوّل والتحريف إلى هذا الحد ، نشكر الله على سلامة الدين والعقل ، ونسكت ، نسأل الله الصون.
وبهذا يعلم من هو قدوة صاحب «المنار» في قوله المنقول في مقال الكاتب «وليس فيه نصّ صريح بأنه ينزل من السماء ، وإنما هذه عقيدة أكثر النصارى ، وقد حاولوا في كلّ زمان من ظهور الإسلام بثّها في المسلمين». انظر إلى هذا الرأي التالف وهذه الجرأة البالغة من صاحب «المنار»!!
والقول بسعي النصارى في بثّ تلك العقيدة في المسلمين من ظهور الإسلام إذا قورن بصحة نزوله عليهالسلام عن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، على لسان ثلاثين من أصحابه رضي الله عنهم ، بأسانيد في الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع والمصنفات وغيرها : علم مبلغ إيغال قائله في الباطل ، أينطق المصطفى صلوات الله وسلامه بما بثّه النصارى ويروج عليه؟ أم الصحابة يروج عليهم هذا الدّس؟ أم حفّاظ الأمّة وأئمتها يروج عليهم هذا البثّ وهذا الدّسّ فيروونها في كتبهم خالفا عن سالف بطريق التواتر ، ولا يتصوّر ما هو أبلغ من هذا المروق ، وها هي حجّة كاتب المقال!!