التعريف بكتاب
«السيف الصقيل»
في أثناء القرن السابع الهجري رحل من حران إلى الشام بيت علم وفضل ، خوفا على أنفسهم من التتر واستوطنوا دمشق. وكان منهم طفل صغير من مواليد حران حمله أبوه معه فيما حمل من أهله ، فألحقه بمدرسة من مدارس دمشق. ذلك الصغير ، هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام المعروف بابن تيمية. وعبد السلام كان من خيرة العلماء ، له في مذهب أحمد تصانيف ، وله منتقى الأخبار الذي شرحه الشوكاني وأسماه : نيل الأوطار. فأقبل ذلك الصغير على العلم وظهرت عليه مخايل الذكاء ، وتفقه في مذهب أحمد كأسرته الحنابلة ، وقرأ في كثير من الفنون والعلوم ، وظهرت عليه مخايل الذكاء ، واشتهر بجودة الحفظ وقوة الذاكرة ، وتصدّر للفتيا وإلقاء الدروس في سن مبكرة ، وظهرت عليه آثار النسك والعبادة ، فأحبته العامة وأثنت عليه الخاصة ، وبالغ في الدعاء إلى السنة ومجانبة البدعة. وقد آنس من نفسه قوة ذهن وشدة عارضة فلم يحفل بالرجوع إلى شيوخ الوقت وأكابره ، ورفعت إليه الأسئلة والاستفتاءات ، فأجاب وأفتى ، وهو مرموق في كل ذلك بعين التجلّة من الجميع. حتى إذا قارب سن الأربعين سن الكمال عادة ، بدأ النقص يظهر فيه ، فبدأ يسير على طريق الكرامية والحشوية (١) ، ويحيي بدعة القول بالجهة والمكان والأجزاء لله.
__________________
(١) وهناك صورة مجملة عن الكرامة والحشوية ، حتى تستبطن حقيقتها ، وتختبر عودها ، وتنظر في أصلهما فيحكي لنا الإيجي أنهما فرعان لشجرة حنظل واحدة ، هي شجرة التشبيه. تشبيه الخالق بالمخلوق. وإن اختلفوا في طريقته فمنهم مشبهة غلاة الشيعة ومنهم مشبهة الحشوية كمضر وكهمس والهجيمي ومنهم مشبهة الكرامية أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام. ويؤكد الرازي على أن اليهود أكثرهم مشبهة. وأن ظهور التشبيه في الإسلام قد بدأ من الروافض مثل بيان بن سمعان الذي كان يثبت لله تعالى الأعضاء والجوارح ، وهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي ، ويونس بن عبد الرّحمن القمي ، وأبو جعفر الأحوال الذي كان يدعى شيطان الطاق. وهؤلاء رؤساء علماء الروافض ، ثم تهافت في ذلك المحدثون ممن لم يكن لهم نصيب من علم المعقولات.