__________________
صنيع الصحابة في التأويل
ـ وقد كانت الصحابة رضي الله عنهم لا يخوضون في المعضلات حرصا منهم على معتقد الذين قرب عهدهم بالجاهلية وتدريبا لهم على الأعمال النافعة دون المماحكات الفارغة ، لأن الخوض فيها يضر ولا ينفع في شخص دون شخص وفي وقت دون وقت ـ وعمل الفاروق رضي الله عنه في صبيغ معروف ـ ولم يتقاعس الصحابة عن الإجابة عند حدوث ضرورة كما فعل ابن عباس رضي الله عنهما مع نافع بن الأزرق فلا يكون المؤول بشرطه مخالفا للصحابة رضي الله عنهم بل مقتديا بهم ، وقد سرد المحدث النظار الفخر بن المعلم القرشي الشافعي في (نجم المهتدي) في باب خاص منه نماذج كثيرة من التأويلات المروية عن الصحابة والتابعين وقد اكتظت كتب التفسير بالرواية بما روى عنهم في هذا الصدد ، وكانت الصحابة يفهمون بسليقتهم كلام الله وكلام رسوله صلىاللهعليهوسلم ولم يكن يصعب عليهم فهم ما يستعصي فهمه على كثير ممن تأخر زمنه عن زمن الوحي ، ولم يقع في كلام أحد منهم شيء ينافي التنزيه أصلا وأما ما وقع في بعض الروايات مما يوهم ذلك فمن تغيير أعراب الرواة وأعاجمهم والرواية بالمعنى من غير فقهاء الرواة في حاجة إلى التنقيب والنظر وحيث كان غالب ألفاظ الروايات ألفاظ الرواة ـ على حسب فهمهم المعاني ـ لا يعول محققو علماء العربية في اللغة على ألفاظ الحديث المروي بالمعنى فكيف يتصور أن يتخذ علماء أصول الدين ألفاظ هؤلاء الرواة ـ على حسب أفهامهم ـ حجة في دين الله من غير نظر فيما إذا كان مخالفا للتنزيه والبراهين القائمة؟ والحاصل أن التفويض مع التنزيه مذهب جمهور السلف لانتفاء الضرورة في عهدهم والتأويل مع التنزيه مذهب جمهور الخلف حيث عنّ لهم ضرورة التأويل لكثرة الساعين في الإضلال في زمنهم ، وليس بين الفريقين خلاف حقيقي لأن كليهما منزّه ومن أهل العلم من توسط بين هؤلاء وهؤلاء كما أشرت إليه.
وأما المشبهة فتراهم يقولون : نحن لا نؤول بل نحمل آيات الصفات وأخبارها على ظاهرها. وهم في قولهم هذا غير منتبهين إلى أن استعمال اللفظ في الله سبحانه بالمعنى المراد عند استعماله في الخلق تشبيه صريح وحمله على معنى سواه تأويل على أن الأخبار المحتج بها في الصفات إنما هي الصحاح المشاهير دون الوحدان والمفاريد والمناكير والمنقطعات والضعاف والموضوعات مع أنهم يسوقون جميعها في مساق واحد في كتب يسمونها التوحيد أو الصفات أو السنة أو العلو أو نحوها.
اضطراب الحشوية
ومن الأدلة القاطعة على رد مزاعم الحشوية في دعوى التمسك بالظاهر في اعتقاد الجلوس على العرش خاصة قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [البقرة : ١٨٦] وقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] وقوله تعالى : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق : ١٩] وقوله تعالى : (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) [فصّلت : ٥٤] وقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤] إلى غير ذلك مما لا يحصى في الكتاب والسنة المشهورة مما ينافي الجلوس على العرش وأهل السنة يرونها أدلة على تنزه الله سبحانه عن المكان كما هو الحق فلا يبقى