بصفات الكمال ، لا يجوز عليه في ملكه نقص ولا ضعف ولا عجز ، فكيف يكون في ملكه ما لا يريده ، ويريده أضعف خلقه فيكون. كلا سبحانه وتعالى أن يأمر بالفحشاء أو يكون في ملكه إلا ما يشاء ، فثبت بحمد الله ومنّه مذهب أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة وأدلة العقل.
* * *
فصل
في ذكر آيات وسنة يحتجون بها والجواب عنها.
فإن قالوا : فما معنى قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [البقرة : ٢٠٥] قلنا :
المراد به أنه لا يثيب على الفساد ولا يمدحه ولا يأمر به ، فإن اسم المحبة إنما يقع على ما يثاب عليه ويمدحه فاعله عليه ، وليس كل ما يريده المريد يقال فيه أنه أحبه ، ألا ترى أن المريد يريد بذل ماله للسلطان الجائر من هدية ورشوة ليتقي بذلك شره ، ثم لا يقال إنه أحب ذلك ، وكذلك الرجل اللبيب يريد ضرب ولده وقرّة عينه ليؤدبه ، ثم لا يقال إنه أحب ذلك ، وكذلك يريد ربط جروحه وقطع سلعته وشرب المر من الدواء ، ولا يقال إنه أحب ذلك. وكذلك الحميم يريد ويبادر في الحفر لميته وتجهيزه وتغييبه تحت التراب ، ولا يقال إنه محب لذلك ولا يؤثره. فعلم أنه ليس كل ما أراده المريد أحبه ، وإنما يقال أحب الشيء إذا مدحه وأثنى عليه وأثاب عليه ، والله تعالى لم يمدح الفساد ولم يثن على المفسد ولم يثبه.
جواب آخر : وهو ما ذكره بعض أصحابنا وهو أن قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [البقرة : ٢٠٥] يعني لا يحبه من أهل الصلاح والطاعة ، وهو كقوله : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزّمر : ٧] يعني لعباده المؤمنين ، وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
فإن قيل أليس قد قال الله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [الأنعام : ١٤٨] فدلّ على أن الشرك ليس بمشيئة الله تعالى فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن سياق الآية حجة عليهم ، لأنه قال فيها : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)) [الأنعام : ١٤٩].
الجواب الثاني : أنهم إنما قالوا ذلك على سبيل التكذيب والاستهزاء ، لا على سبيل الإيمان ، وإنما قصدوا تكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي