__________________
ـ المسألة قبل سنين متطاولة في (إرغام المريد) الذي كنت ألفته سنة ١٣٢٠ ولا بأس في أن أورد هنا بعض ما كنت نقلته فيه ، مما قاله الفخر الرازي والسعد التفتازاني ، والشريف الجرجاني في هذا الصدد فإنهم أئمة في أصول الدين يميزون بين الحق والباطل والتوحيد والإشراك حق التمييز ، ولا يرميهم أحد من أهل الحق بنزعة تخالف مذهب أهل الحق في هذه المسألة ومن الغريب رمي أهل التجسيم لأهل الحق بالإشراك بوسيلة التوسل وفيما ننقله عن أئمة أصول الدين في هذا الصدد قمع من يرمي أهل الحق بدائه وهم من أبعد الناس عن الإشراك بخلاف من يقول بالجهة والتحيز وسائر لوازم الجسمية تعالى الله عن ذلك.
نصوص من المطالب العالية للفخر الرازي
قال الإمام فخر الدين الرازي بعد بسط مقدمات في الفصل الثامن عشر من كتابه المطالب العالية وهو من أمتع مؤلفاته في علم أصول الدين : «وإذا عرفت هذه المقدمات فنقول إن الإنسان إذا ذهب إلى قبر إنسان قوي النفس كامل الجوهر شديد التأثير ووقف هناك ساعة وتأثرت نفسه من تلك التربة حصل لنفس الزائر تعلق بتلك التربة وقد عرفت أن لنفس الميت تعلقا بتلك التربة أيضا فحينئذ يحصل لنفس هذا الزائر الحي ولنفس ذلك الإنسان الميت ملاقاة بسبب اجتماعهما على تلك التربة فصارت هاتان النفسان شبيهتين بمرآتين صقيلتين وضعتا بحيث ينعكس الشعاع من واحدة منهما إلى الأخرى فكل ما حصل في نفس هذا الزائر الحي من المعارف البرهانية والعلوم الكسبية والأخلاق الفاضلة من الخضوع لله تعالى والرضى بقضاء الله ، ينعكس منه نور إلى روح ذلك الإنسان الميت وكل ما حصل في نفس ذلك الإنسان الميت من العلوم المشرفة والآثار العلوية الكاملة فإنه ينعكس منه نور إلى روح هذا الزائر الحي ، وبهذا الطريق تصير تلك الزيارة سببا لحصول المنفعة الكبرى والبهجة العظمى لروح الزائر ولروح المزور ، فهذا هو السبب الأصلي في مشروعية الزيارة ، ولا يبعد أن يحصل فيها أسرار أخرى أدق وأحق مما ذكرناه ، وتمام العلم بالحقائق ليس إلا عند الله اه».
وأما بقاء النفس مدركة لبعض الجزئيات فقد بينها الرازي في الفصل الخامس عشر من الكتاب المذكور. وقال الرازي أيضا في تفسيره : «إن الأرواح البشرية الخالية عن العلائق الجسمانية ، المشتاقة إلى الاتصال بالعالم العلوي ، بعد خروجها من ظلمة الأجساد تذهب إلى عالم الملائكة ومنازل القدس ، ويظهر منها آثار في أحوال هذا العالم فهي المدبرات أمرا ، أليس الإنسان قد يرى أستاذه في المنام ويسأله عن مشكلة فيرشده إليها اه».
وقال العلامة سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد عند إثبات إدراك بعض الجزئيات للميت ردا على الفلاسفة : «لما كان إدراك الجزئيات مشروطا عند الفلاسفة بحصول الصورة في الآلات فعند مفارقة النفس وبطلان الآلات لا تبقى مدركة للجزئيات ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط وعندنا لما لم تكن الآلات شرطا في إدراك الجزئيات إما لأنه ليس بحصول الصورة لا في النفس ولا في الحس وإما لأنه لا يمتنع ارتسام صورة الجزئي في النفس بل الظاهر من قواعد الإسلام أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات متجددة جزئية واطلاع على بعض جزئيات أحوال الأحياء ، ولا سيما الذين كان بينهم وبين الميت تعارف في الدنيا ، ولهذا