وأما قول الكاتب : «وعلى فرض أنّ أشراط الساعة مما يخضع للإجماع الذي اصطلحوا عليه ، نقول : إنّ نزول عيسى قد استقرّ فيه الخلاف قديما وحديثا ، أمّا قديما فقد نصّ على ذلك ابن حزم في كتابه «مراتب الإجماع» ، حيث يقول : اختلفوا في عيسى عليهالسلام : أيأتي قبل يوم القيامة أم لا ...؟. كما نصّ عليه أيضا القاضي عياض في شرح مسلم ، والسعد في «شرح المقاصد» ، وقد سقنا عبارته في البحث السابق ، وهي واضحة جليّة في أنّ المسألة ظنية في ورودها ودلالتها. وأمّا حديثا فقد قرّر ذلك ...» :
فخلو من صلاحية التّترّس به ، فإنّ ابن حزم لم يحك نفي النزول عن أحد من أهل الحق بسند صحيح ، حتى يقام له وزن ، وإنما هو توليد واستنتاج مما يحكى في موته ، ثم رفعه ، وقد محّصنا هذه الحكاية فيما سبق ، بل قال ابن رشد الكبير بعد أن قال : لا بد من نزوله لتواتر الأحاديث بذلك : «فما ذكره ابن حزم من الخلاف في نزوله : لا يصح» ، كما في «شرح» الأبيّ على «مسلم».
وأما لفظ القاضي عياض في «شرح مسلم» فهو «نزول عيسى عليهالسلام ، وقتله الدّجّال : حقّ وصحيح عند أهل السنة ، للأحاديث الصحيحة في ذلك ، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله ، فوجب إثباته ، وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهمية» اه. وذلك البعض هو الجبّائي. ولو علم تواتر الخبر لما خالف ، على أنّ خلاف المبتدعة لا يخلّ بالإجماع في التحقيق كما سبق ، وجمهرة المعتزلة مع أهل الحقّ في المسألة ، على ما يظهر من كلام خطيبهم الزمخشريّ في «الكشاف».
وأما ما نقله السعد بعد ذكره قوله أهل الشريعة ، وبعد ذكره لزعم الفلاسفة : فبعيد عن أن يكون نقلا لخلاف يعتدّ به ، بل هو قول بعض من سار سير الباطنية في التأويل كما سبق ، ولذا أغفل ذكر اسمه ، ومن طريقة تأويله يظهر أنه من المبتدعة الذين لا يلتفت إليهم ، والتأويل من غير داع عقليّ ولا شرعيّ على خلاف لغة التخاطب : شأن الباطنية ومن سار سيرهم ، هذا هو قديمه.
وأما حديثه فالدكتور محمد توفيق صدقي (في المجلّد الحادي عشر من المنار ص ٣٦٧) ومن لفّ لفّه ، من أصحاب الصّحافة ، فبالنظر إلى أنّ هؤلاء ليس عندهم من العلوم الضرورية ، لمن يريد أن يتكلّم في هذا الموضوع ، ما يسوغ لهم الكلام فيه ، ضربنا عن ذكرهم صفحا ، على أنّ منازلهم في العلم والورع غير مجهولة عند الشعب الكريم.