فصل
ثم يقال لهم : خبرونا إذا كتب كاتب في ورقة (فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤)) [النّازعات : ٢١ ـ ٢٤] أفتقولون : إن الكاتب قديم ، أم كتابته قديمة ، أم الورق الذي كتب فيه قديم ، أم اللعين فرعون ، وقوله قديم ، فلا يجوز لعاقل أن يقول شيئا من هذه الأشياء قديم ، بل الكاتب مخلوق ، وكتابته مخلوقة ، والورقة مخلوقة ، والقلم مخلوق ، والحبر مخلوق ، وفرعون اللعين مخلوق ، وما ادعاه من الربوبية كذب مخلوق ، وإنما الذي هو ليس بمخلوق كلام الله تعالى القديم الذي هو خبر يشمل جميع المخبرات التي أخبرنا عن فرعون اللعين وقوله الكذب. فصحّ أن كلام الله القديم ليس بالخط ولا بالورق ولا بقول فرعون اللعين ، لأن قول فرعون اللعين كذب ، وكلام الله حق وصدق ، وكذلك إذا كتب الكاتب في ورقة (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) [الأنعام : ١٥٢] أتقولون : إن اليتيم وماله قديم ، والخط الذي كتب ذلك قديم ، والكاتب له قديم. لا. بل الجميع مخلوق ، وإنما القديم كلام الله الذي هو نهيه الذي يشمل جميع المنهيات ، وهو غير اليتيم والمال والكاتب والكتابة ، وإذا كتب كاتب : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) [البقرة : ٦٠](وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [البقرة : ٤٣] أترى [أن] الكاتب قديم أو الكتابة قديمة ، أو الأكل والآكل ، والشارب والشرب ، والمصلي والصلاة ، والمزكي. والزكاة قديمة. لا والله ؛ ليس شيء من ذلك قديما ، وإنما القديم كلام الله تعالى ، الذي هو أمره الشامل لجميع المأمورات. فصحّ بهذه الجملة الفرق بين كلام الحق وكلام الخلق ، وإن كلامه تعالى قديم غير مخلوق ، ولا يتصف بشيء من صفات الخلق ، ولا يفتقر تعالى في كون كلامه صفة له قديمة غير مخلوقة ، إلى شيء من أدوات الخلق من لسان ، وشفة ، وحلق ، وحرف ، وصوت ، بل هو متكلم ، وله كلام ، صفة له قديمة غير مخلوقة ، ولا يجوز عليها شيء من صفات الخلق. فاعلم ذلك وتحققه ولا توفيق إلا بهدي من الله وفضل ورحمة ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
* * *
فصل
يتعلق بمسائل ثلاثة وفروعها : وهي :
مسألة الخلق والإرادة ، وأنه [لا] يكون من العباد شيء إلا وهو خلق الله تعالى ومراد له ، لا يجوز أن يخلق أحد غيره ، ولا يكون في ملكه إلا ما أراده.