اليوناني بدوام هذا العالم المشهود والأرواح في أزل وليس بفان ، واندفع في ذكر النصير الطوسي لعنه الله فهو معذور فيه ، لكنه لا فرق بينه وبين القائلين بقدم العالم إلا أنه لا يقول بقدم هذه الأجسام المشاهدة والأرواح وهذه الأجسام والأرواح كالحوادث اليومية التي أجمع كل عاقل على حدوثها ، فلو جاء زنديق وقال إنه لم يزل أجسام وأرواح خلقا من قبل خلق وإنه كان قبل هذه السماوات سماوات غيرها لا إلى نهاية ، وأرواح غير هذه الأرواح لا إلى نهاية لم يكن بينه وبين هذا الناظم فرق إلا أن هذه في غير ذاته تعالى ، وما قاله الناظم ، بحدوثه في ذاته سبحانه وتعالى والتسلسل عنده جائز فبم ينكر على الزنديق الذي يدعي ذلك؟ وأي فرق بين قوله وقوله؟ فإن التزم جوازهما فأي فرق بينهما وبين جرم هذه السماء (١)؟ وقوله (تخلف التأثير بعد تمام موجبه) ففيه اعتراضان : أحدها أن المؤثر خلاف الفاعل بالاختيار والله تعالى فاعل بالاختيار والثاني قوله (بعد تمام موجبه) إن أراد الإيجاب الذاتي فهو قول الفلاسفة والله فاعل بالاختيار ، ومن ضرورة الفعل بالاختيار تأخر الفعل عن الاختيار ، والتأخر يقتضي الحدوث فكيف يتخلص عن هذه اللكنة. [وإن أراد الوجوب عن الله فسياق العبارة ينافيه].
فصل
القول في تجويز التسلسل في الماضي
قال : «فلئن زعمتم أن ذاك تسلسل قلنا صدقتم وهو ذو إمكان كتسلسل التأثير في مستقبل ، وهل بينهما (٢) فرق؟ وأبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم والأشعري وابن الطيب الباقلاني وجميع أرباب الكلام الباطل فرقوا وقالوا ذلك فيما لا يزال حق وفي الأزل ممتنع لأجل تناقض الأزلي والأحداث ، فانظر إلى التلبيس في ذا الفرق ترويجا على العوران والعميان ما قال ذو عقل بأن ذا أزلي لذي ذهن ولا أعيان بل كل فرد فهو مسبوق بفرد ونظيره كل فرد ملحوق بفرد فالآحاد تفنى والنوع (٣) لا يفنى أزلا
__________________
(١) ولعل المصنف لم ير جزء (حوادث لا أول لها) لابن تيمية إذ قوله فيه خطر جدا.
(٢) لو كان الناظم سعى في تعلم أصول الدين عند أهل العلم قبل أن يحاول الإمامة في الدين لبان له الفرق بين الماضي والمستقبل في ذلك ، ولعلم أن كل ما دخل في الوجود من الحوادث متناه محصور وأما المستقبل فلا يحدث فيه حادث محقق إلا وبعده حادث مقدر لا إلى غير نهاية بخلاف الماضي كما سبق وسيأتي كلام أبي يعلى وغيره في ذلك.
(٣) عدم فناء النوع في الأزل بمعنى قدمه ، وأين قدم النوع مع حدوث أفراده؟ وهذا لا يصدر إلا