فصل
فإن قيل : إذا كان القديم لا يحل في المصحف ؛ فما معنى تعظيمه وتوقيره عن الأدناس والأنجاس وأن لا يحمل إلا على طهارة.
فالجواب : أن هذا جهل وتخبط لأن توقير المحل والمكان لا يدل على حلول القديم الذي لا يتصور عليه الحلول فيه ، كما أنا نحرم المسجد ولا ندخله إلا على طهارة من غير جنابة ، ولا ندخل إليه شيئا نجسا ولا قذرا ، وننزهه عن البصقة والنخامة ، وإن كانت طاهرة توقيرا له وتعظيما. وإن كانت أرضه وتربته وأحجاره مخلوقة ، وخشبه وطينه مخلوقان ، لا أنه قديم ، ولا أنه حلّ فيه قديم ، وكذلك الطواف بالبيت لا يدخل بنجاسة إليه ، ولا يصح الطواف ، حتى يكون الطائف متطهرا من النجس والحدث ، ولا يدل هذا على أن البيت قديم ، ولا أنه حل القديم فيه ، كذلك الخطوط التي يكتب بها القرآن ، والصحف التي يكتب فيها نوقره ونعظمه وننزهه أن يمس إلا على طهارة ، ولا يقرب إليه شيء من الأنجاس ، بل نعظمه ونشرفه ، ولا يوجب ذلك كون المداد الأسود والصفرة والحمرة قديمة أو حل القديم فيها ، وهذا أمر واضح لمن له عقل وتحصيل. إذا تأمله ونظر فيه.
* * *
فصل
ثم يقال لهذه العصابة ـ هداهم الله من الضلال ـ ما تقولون فيمن أخذ قلما وورقة ومداد حبر ، وكتب ألف. لام. لام ، ها. أتقولون إن المكتوب على الحقيقة هو الله تعالى أم لا؟ فإن قالوا : ما هو المكتوب على الحقيقة. فقد خالفوا إجماع أهل السنة والجماعة. وإن قالوا : هو المكتوب على الحقيقة. قلنا : أفتقولون إن الله تعالى انتقل من العرش (١) وحل في هذه الورقة؟ فإن قالوا : نعم. كفروا بإجماع الأمة ، وجعلوا الباري تعالى يحويه أصغر الأماكن ، وإن قالوا : ليس بحال وهو الصحيح الذي لا يجوز غيره. قلنا : فكذلك كلامه تعالى مكتوب في مصاحفنا محفوظ في صدورنا مقروء بألسنتنا متلو في محاريبنا غير حال في شيء من المخلوقات.
* * *
__________________
(١) على قولهم بالاستقرار المكاني على العرش (ز).