فكل الصحابة أجمعوا ومن بعدهم من أهل السنة والجماعة أن الله تعالى يرى في الجنة ، يراه المؤمنون بلا خلاف في ذلك. واختلف الصحابة في الرسول عليهالسلام هل رآه ليلة المعراج بالقلب أو بعيني الرأس على قولين : فكانت الصديقة عائشة رضي الله عنها في جماعة من الصحابة يقولون : رآه بقلبه دون عيني رأسه ، وكان ابن عباس رضي الله عنهما في جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يقولون : إنه صلىاللهعليهوسلم رآه ليلة المعراج بعيني رأسه. ونحن نقول بقول ابن عباس رضي الله عنهما ، فإذا تقرر هذا : فإن المعتزلة ، والنجارية ، والجهمية ، والروافض ، والخوارج : الكل منهم ينكرون الرؤية ولا يجوّزونها بوجه ، حتى قالوا : ولا يرى ولا يرى هو نفسه. وقد قدّمنا الأدلة على صحة الرؤية وجوازها فيما تقدم ، ولا بد أن نذكر هاهنا طرفا من الأدلة أيضا يؤكد ما تقدم ويقوّيه إن شاء الله.
ودليل ذلك من الكتاب والسنة والإجماع ممن يعد إجماعه إجماعا ، ودليل العقل.
فمن أدلة الكتاب قوله تعالى في قصة موسى عليهالسلام : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] وهذا السؤال إنما كان من موسى بعد النبوة ، والبعثة ، والرسالة ، لأن الله تعالى قال : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] ولا يخلو سؤال موسى عليهالسلام هذا السؤال بعد النبوة والكمال من أحد أربعة أوجه : إما أن يكون سأل الرؤية بعد علمه بجوازها على ربه ، أو مع علمه باستحالتها على ربه ، أو سألها وهو شاك في ذلك ، أو سألها وهو ذاهل العقل لا يتفهم شيئا. فلا يجوز أن يكون سأل ذلك مع علمه بأنه يستحيل على ربه ، لأن من المحال أن يسأل النبي الكريم ربه ما يستحيل في حقه ، ولا يجوز عليه كما يستحيل في حقه سبحانه وتعالى ، ولا يجوز أن يكون سأل ذلك وهو شاك جاهل حكم هذه المسألة أو ذاهل لا يدري ، لأن هذه المسألة من مسائل أصول الدين ، وكيف يجوز على النبي الكريم عليهالسلام الشك فيها أو الذهول ، أو غفلة القلب عنها. وإذا بطل جميع ذلك لم يبق إلا أنه عليهالسلام سأل وهو معتقد جواز الرؤية عليه سبحانه وتعالى. فإذا اعتقد النبي الكريم جواز الرؤية لم يخل من أن يكون مصيبا أو مخطئا ، ولا يجوز أن يخطئ النبي الكريم في اعتقاده ، فلم يبق إلا أنه أصاب ، وهذا التقرير لا مخرج للمخالف عنه بوجه ولا سبب. فافهمه.
فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون موسى لم يسأل الرؤية ، وإنما سألها قومه وسألوه أن يسألها لهم ، أما أن يكون هو سألها لنفسه فلا.