وأبو الوليد [ابن رشد الفيلسوف] وأبو العباس (١) الحراني [ابن تيمية] وله اطلاع ، لم
__________________
ـ إلى الدهماء على أن لفظ الجهة لم يقع في كلام أبي عمر ولا في كلام ابن أبي زيد وإن كان ظاهر كلامهما يوهم ذلك وقد تأول كلامهما المالكية ليكونا مع الجمهور في هذه المسألة الخطرة ولو ترك كلامهما على الظاهر لهويا في هاوية التجسيم وذلك عزيز عليهم أيضا ، وقول القاضي عياض ليس يشمل المشارقة حيث لم يرحل إلى الشرق وإنما قوله بالنظر إلى معنى كلام بعض الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من أهل بلاده من أصحاب الطلمنكي وابن أبي زيد وأبي عمر بل لا أذكر وقوع لفظ الجهة في كلام أحد منهم ، وإنما جرى ابن رشد الفيلسوف في المناهج على التساهل بذكر ما لم يجر على لسانهم باعتباره معنى كلامهم كما سبق ، والحاصل أن التكييف غير جائز إجماعا ـ ويمكن جمع جزء في الآثار الواردة في المنع من التكييف والتشبيه ـ ولا شك أن القول بالجهة تكييف لم يقع إلا في عبارات أناس هلكى ، وأما تأويل القائلين بالجهة ما يوهم كونه في السماء بمعنى على السماء ، كما ذكر القاضي عياض ، فلا ينجيهم من ورطة التجسيم لأن (في) في قوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١] لم تزل تفيد تمكين المصلوب في الجذع كتمكين المظروف في الظرف ، وكذلك قوله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) [الأنعام : ١١] فحمل لفظ (في) على معنى (على) لا يجدي في الإبعاد عن التمكن وإنما التأويل الصحيح ما أشار إليه الباجي من استعمال العرب لفظ «هو في السماء» يعنون علو شأنه ورفعة منزلته بدون ملاحظة كونه في السماء أصلا كقول الشاعر :
علونا السماء مجدنا وجدودنا |
|
وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا |
وظاهر أنه لم يرد إلا علو الشأن. وليس قوله تعالى : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) [الملك : ١٦] من هذا القبيل بل الظاهر أن المراد خاسف سدوم وعد «في السماء» بمعنى على السماء ثم جعل على السماء بمعنى «على العرش» باعتبار أن السماء مأخوذة من السمو ، غفلة عن شمولها للسقف والسحاب على هذا التقدير غير المتبادر وتخصيصها بالعرش عن هوى مجرد كما لا يخفى. وفيما ذكرناه كفاية لأهل التبصر.
مخالفات ابن تيمية
(١) يوجد من يذكره بلقب شيخ الإسلام ـ وللمبتدعة افتتان بهذا التلقيب لزعمائهم ـ إيهاما للضعفاء في العلم أن ما يدعو إليه هذا الزائغ هو الإسلام الصحيح ويخاف على من يستمر على تلقيبه به بعد أن عرف مخالفاته لشرع الإسلام ومن ذكره بهذا اللقب من أهل السنة إنما ذكره قبل أن يجاهر ذلك المبتدع ببدعه المعروفة ، وأما من استمر على هذا التلقيب من المتأخرين فإنما استمر جهلا ببدعه التي نقلناها من أوثق المصادر أو ظنا من أنه تاب وأناب وحافظ على عهوده وقد توسعنا في بيان ذلك فيما علقناه على ذيول طبقات الحفاظ. على ترجمة العلاء البخاري فليراجع هناك ، ولعل في كتبنا ولا سيما في هذا الكتاب ما يقنع المنصف في أمر هذا الزائغ.
ومما قال المصنف في حقه في فتاويه (٢ ـ ٢١٠) في أثناء رده على فتيا له في الوقف : «وهذا الرجل كنت رددت عليه في حياته في إنكاره السفر لزيارة المصطفى صلىاللهعليهوسلم وفي إنكاره وقوع الطلاق إذا حلف به ثم ظهر لي من حاله ما يقتضي أنه ليس ممن يعتمد عليه في نقل ينفرد به لمسارعته إلى النقل لفهمه ـ كما في هذه المسألة ـ ولا في بحث ينشئه لخلطه المقصود بغيره ـ