مبحث الرد على ابن تيمية في قوله بفناء النار
واعلم : أنه مما انتقد عليه زعمه أن النار تفنى ، وأن الله تعالى يفنيها وأنه جعل لها أمدا تنتهي إليه وتفنى ، ويزول عذابها وهو مطالب أين قال الله عزوجل وأين قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصحّ عنه وقد سفّه الله تعالى في ذكره في كتابه العزيز كما سفّهه في تنزيهه لنفسه وأتى بأمور إقناعية (١) صادم بها النصوص الصريحة في دوام العذاب عليهم فمن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) [النّساء : ٥٦] تبدل في كل ساعة مائة مرة ، وقال الحسن : تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً) [النّساء : ٥٦] أي شديد النقمة على من عصاه ، وقيل العزيز الشديد القادر القوي وقيل الغالب الذي لا يغلب والقاهر الذي لا يقهر وقيل الذي لا نظير له وقيل معناه المعز فيكون فعيل بمعنى مفعل كالأليم بمعنى المؤلم ونحوه.
وقال أهل المعاني وأرباب القلوب : العزيز من ظلت العقول في بحار تعظيمه وحارت الألباب دون إدراك نعته وكلّت الألسن عن استيفاء مدح جلاله ووصف كماله والقيام بشكر آلائه ، وقوله : (حَكِيماً) [الفتح : ٧] أي حكم على الأعداء بدوام العذاب كما حكم للأولياء بدوام النعيم فلا يعلم كنه حقيقة حكمته غيره فلا شيء من الأشياء إلا وفيه شيء من حكمته على وفقه لمناسبته (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النّمل : ٨٨] وقال تعالى : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢)) [الحج : ١٩ ـ ٢٢] وقال : (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) [النّبأ : ٣٠] وقال تعالى : (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) [الإسراء : ٩٧] وقال تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٧)) [المائدة : ٣٧] وقال تعالى : (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) [الفرقان : ٦٥] أي مقيما ملازما فكل عذاب يفارق صاحبه فليس بغرام والآيات في ذلك كثيرة جدا وأما السنة فطافحة بذلك وتدل على إخراج المؤمنين دون غيرهم حتى يخرج من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ، وفي رواية مثقال ذرة من خير ، فأقول : يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ، أي وجب عليه الخلود. قال الله تعالى : (لَهُمْ فِيها دارُ
__________________
(١) أي للعامة البله الذين لم يخالطوا المؤمنين أما من عرف دين الله عالما ومخالطه فمعاذ الله أن يقتنع بغير كلام ربه فليعلم ، اه مصححه.