بمشيئة الله تعالى ، وقد عمل بمشيئة الله تعالى لكن من عمل بمشيئة المعصية فإنه ليس بها رضا ولا عدل في فعله (١) ، وقوله : فلم تجري عليه الحدود؟ سؤال فاسد على أصلهم ، لأنهم لا يثبتون مشيئة الله تعالى في كثير من المعاصي فلا تلزمه الحدود إلا على فعله مثل شرب الخمر ، وقد فعلها جميعا بمشيئة الله تعالى.
* * *
باب الرد على من يكفر بالذنب
قلت : أرأيت لو أن رجلا قال : من أذنب ذنبا فهو كافر. ما النقض عليه؟ فقال : يقال له : قال الله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧)) [الأنبياء : ٨٧] ، فهو ظالم مؤمن وليس بكافر ولا منافق. وإخوة يوسف قالوا : (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) [يوسف : ٩٧] وكانوا مذنبين لا كافرين وقال الله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] ولم يقل من كفرك. وموسى حين قتل الرجل كان في قتله مذنبا لا كافرا. قال : وإذا قال : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى يقال له : قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦)) [الأحزاب : ٥٦] فإن كنت مؤمنا فصلّ عليه وإن كنت غير مؤمن فلا تصلّ عليه. وقال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة : ٩] الآية. قال معاذ رضي الله عنه : من شكّ في الله فإن ذلك يبطل جميع حسناته ومن آمن وتعاطى المعاصي يرجى له المغفرة ويخاف عليه العقوبة. قال السائل لمعاذ رضي الله عنه : إذا كان الشك يهدم الحسنات فإن الإيمان أهدم وأهدم للسيئات (٢).
قال معاذ رضي الله عنه : والله ما رأيت رجلا أعجب من هذا الرجل يسأل أمسلم أنت؟ فيقول : لا أدري. فيقال له : قولك لا أدري أعدل أم جور؟ فإن قال
__________________
(١) لأن تعلق مشيئة الخالق بخلق معصية العبد عند إرادة العبد فعلها باختياره ، فلا يبرئ ذلك التعلق العبد من المسئولية ، وقد جرت حكمة الحكيم الخبير على خلق ما اختاره العبد من الأفعال التي تحت استطاعته تحقيقا لمسئوليته فمن أراد الهداية واستهداه يهديه ، وفي الحديث القدسي : «كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم». (ز).
(٢) يعني ما سبق من السيئات لأن الإسلام يجب ما قبله ، راجع حديث معاذ السابق (ز).