وما أخرجه الطبراني في سنده مجالد ، فإذا لم يكن مثله إجماعا ، فلا يوجد في الدنيا إجماع ، ويقول أبو حامد الأسفراييني شيخ الطريقة العراقية في مذهب الشافعي ـ عن أن يقول بعض أهل الاجتهاد بقول ، وينتشر ذلك في المجتهدين من أهل ذلك العصر ، فيسكتون بدون أن يظهر منهم اعتراف ولا إنكار ـ إنّه إجماع وحجة مقطوع بها. فلا يكون لكاتب المقال متمسّك بما نقله من «رسالة» الشافعي رضي الله عنه ، حيث حمّله ما لا يتحمّله.
وردّ ما يروى عن أحمد في الإجماع : في «السيف الصقيل» ص ١١٠ ، ثم الخلاف في الاحتجاج بالإجماع في العلميّات ليس مما يوهن أمر الإجماع في موضوع بحثنا ، لأنّ ذلك في المسائل العويصة التي تضطرب فيها العقول ، وقد دلّلنا على أنّ الأخبار في النزول متواترة ، وثبوت تواترها ليس في حاجة إلى اعتراف صاحب المقال بتواترها ، بعد أن نصّ أصحاب الشأن على تواترها. والإجماع اليقينيّ على ما ثبت بالتواتر ، مما لا ينكره إلا مكابر.
ثم إنّ اعتقاد النزول عمل القلب ، فيكون التمسّك بالإجماع هنا تمسكا به في باب العمل ، فيكون الأخذ بالإجماع في هذا الموضع أمرا متفقا عليه بين العلماء.
وما نقله كاتب المقال عن «التحرير» لابن الهمام ، في أشراط الساعة وأمور الآخرة ، من لزوم استنادها على النقل دون الإجماع ، هو عين ما قاله صدر الشريعة في «التوضيح» ، لكن نظر فيه السعد المحقّق في «التلويح» وقال : إنّ النّقل قد يكون ظنّيّا فبالإجماع يصير قطعيا». وهذا كلام متين.
وابن الهمام هو الذي يقول في «المسايرة ، في العقائد المنجية في الآخرة» ، في عداد المكفّرات : «وكذا مخالفة ما أجمع عليه ، وإنكاره بعد العلم به». والخلاف في كون الإجماع مدركا مستقلا هنا ، لا في الاعتداد به إذا وقع ، وتوارد الأدلة على شيء مما يزيده قوّة.
وقال في «المسايرة» أيضا : وأشراط الساعة من خروج الدجال ونزول عيسى عليهالسلام ، وخروج يأجوج ومأجوج ، والدابّة ، وطلوع الشمس من مغربها حقّ» فما ذا بعد الحقّ إلا الضلال ، وقول ابن رشد الحفيد في الفرق بين العلميّات النظرية والعمليّات في باب الإجماع : منزع آخر ، ليس هذا موضع بسطه.