وما ذا على الإجماع من كون بعض أنواعه ظنيّا؟ وجحد ما هو يقينيّ منه كفر ، وإنكار ما جرى مجرى الخبر المشهور منه ضلال وابتداع ، وجاحد ما دون ذلك كجاحد بعض ما صحّ من أخبار الآحاد على حدّ سواء.
أما قول محمد بن إبراهيم الوزير اليماني في الإجماع ، فبعيد عما يفقهه الفقهاء ، وهو ليّن الملمس في كتبه بالنسبة إلى أمثال المقبليّ ومحمد بن إسماعيل الأمير والشوكانيّ من أذياله الهدّامين ، لكن مع هذا اللين تحمل كتبه سمّا ناقعا ، وهو أول من شوّش فقه العترة النبوية ببلاد اليمن ، وكلامه في الإجماع يرمي إلى إسقاط الإجماع من الحجية ، وإن لم يصرّح تصريح الشوكانيّ في «جزء الطلاق الثلاث». انتهى ما نقلته من «الإشفاق».
وقول الشوكانيّ في جزئه المذكور «إنّ الحقّ عدم حجيّة الإجماع ، بل عدم وقوعه ، بل عدم إمكانه ، بل عدم إمكان العلم به ، وعدم إمكان نقله» متابعة للنّظّام على طول الخطّ : مما لا يستكثر من مثله في التجرّؤ على الأحكام ، وهو الذي لا يعترف بعدد محدود في نكاح النساء ، على خلاف الكتاب والسّنّة ، كما في «وبل الغمام» له. وتجد تفصيل الردّ عليه في «تذكرة الراشد» ، وإن كان هذا على خلاف ما في «نيل الأوطار» ، وله مراحل في الدعوة إلى بدعته.
وقد علّقنا على مواضع من «مراتب الإجماع» لابن حزم برمز (م) في الغالب ، ما يعيد الحقّ إلى نصابه في مواضع انحرافه عن الجادّة ، وهكذا فعلنا فيما علّقناه على «النّبذ» لابن حزم بتوفيق الله سبحانه.
وليس بين الأئمة المتبوعين كبير خلاف في الإجماع ، وما كلّ من تحدّث فيه تحدّث بما يقام لكلامه وزن ، والحقّ واضح لمن درس الإجماع من جميع نواحيه ، لكن ضعف المناعة الفقهية في متفقهة الأدوار الأخيرة ، جعلهم ضحايا للآراء الشاذّة التي تنشر هنا ، بسعي من أصحاب غايات ، وذلك ناشئ من الفوضى وقلة التبصّر في مناهج تفقيههم وإن كان القائمون بالأمر يصعب عليهم الاعتراف بذلك ، لكنّ الأمر واقع ، ما له من دافع.
ثم إنّ أضيق المذاهب في الإجماع هو مذهب الظاهرية ، المقتصرين على الصحابة في الإجماع ، ونزول عيسى عليهالسلام مما نصّ عليه ثلاثون من الصحابة رضي الله عنهم ، وآثارهم الموقوفة عليهم مدوّنة في «التصريح» للكشميري كما سبق ، ولم يصحّ عن صحابيّ واحد القول بما يخالف ذلك.