ومما يحقّق عند القارئ مبلغ بعد الكاتب عن علم الكلام قوله تفريعا على كلام السعد المذكور : «ومن ذلك نرى أنّ السعد لا يقرّر وجوب حملها على ظواهرها ، حتى تكون من قطعيّ الدلالة الذي يمتنع تأويله ، وإنما يقرّر بصريح العبارة أنه لا مانع من حملها على ظواهرها. فيعطي بذلك حقّ التأويل لمن انقدح في قلبه سبب للتأويل».
وعادة المتكلمين أن يفرّعوا وجوب الاعتقاد بمعنى الدليل الشرعيّ على عدم استحالة معناه المؤدية إلى التأويل ، وكم ترى السّعد نفسه يقول في السمعيات : «إنها أمور ممكنة نطق بها الكتاب والسنة ، وانعقد عليها إجماع الأمة ، فيكون القول بها حقا ، والتصديق بها واجبا» ، ومثله يتكرّر في «شرح النسفية» ، وفي «التجريد» للنصير الطوسي ، و «المواقف» للقاضي عضد الدين.
والذين ذكرهم السعد هنا بعد قوله : «عند أهل الشريعة» ، ليسوا من أهل الشريعة في نظره ، كما هو ظاهر ، والسعد هو الذي يقول في آخر «شرح المقاصد» : «ذهب العظماء من العلماء إلى أنّ أربعة من الأنبياء في زمرة الأحياء الخضر وإلياس في الأرض ، وعيسى وإدريس في السماء ، عليهم الصلاة والسلام».
كما يقول في ٢ : ١٩٨ : «وأما استحلال المعصية بمعنى اعتقاد حلّها فكفر ، صغيرة كانت أو كبيرة ، وكذا الاستهانة بها بمعنى عدّها هيّنة ترتكب من غير مبالاة ، وتجري مجرى المباحات ، ولا خفاء في أنّ المراد ما ثبت بقطعيّ ، وحكم المبتدع ـ وهو من خالف في العقيدة طريقة السنة والجماعة ـ ينبغي أن يكون حكم الفاسق ، لأنّ الإخلال بالعقائد ليس بأدون من الإخلال بالأعمال» ، يعني فيما هو غير مكفّر.
ثم قال : «وحكم المبتدع البغض والعداوة والإعراض عنه ، والإهانة والطّعن واللّعن وكراهية الصلاة خلفه».
ثم قال : «وطريقة أهل السّنّة أنّ العالم حادث ، والصانع قديم متصف بصفات قديمة ... لا شبيه له ، ولا ضدّ ، ولا ندّ ، ولا نهاية له ، ولا صورة ، ولا حدّ ، ولا يحلّ في شيء ، ولا يقوم به حادث ، ولا يصحّ عليه الحركة والانتقال ... وأنّه ليس في حيّز ولا جهة ... وأنّ أشراط الساعة من خروج الدجال ، ويأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى ، وطلوع الشمس من مغربها ، وخروج دابّة الأرض : حقّ ...» إلى آخر معتقد أهل السنة والجماعة المبسوطة هناك.