ثم نقل الكاتب عن «شرح المقاصد» نقلا مبتورا ما يظنّ به أنه يكون حجّة له في تأويل ما ورد في أشراط الساعة ، ولا سيما نزول عيسى عليهالسلام ، مع إغفال ما يحقّق المسألة من كلام السعد في مواضع من «شرح المقاصد» ، فأنقل كلام السعد هنا مع إثبات ما أهمله الكاتب ، ليظهر ما إذا كان قول السعد في صالحه أم لا.
قال السعد في «شرح المقاصد» ٢ : ٢٢٦ «وبالجملة فالأحاديث في هذا الباب كثيرة ، رواها العدول الثقات ، وصحّحها المحدّثون الأثبات ، ولا يمتنع حملها على ظواهرها عند أهل الشريعة ، لأنّ المعاني المذكورة أمور ممكنة عقلا.
وزعمت الفلاسفة أنّ طلوع الشمس من مغربها مما يجب تأويله : بانعكاس الأمور وجريانها على غير ما ينبغي ، وأوّل بعض العلماء النّار الخارجة من الحجاز : بالعلم والهداية سيّما الفقه الحجازيّ ، والنّار الحاشرة للناس : بفتنة الأتراك ، وخروج الدجّال : بظهور الشرّ والفساد ، ونزول عيسى صلىاللهعليهوسلم : باندفاع ذلك وبدو الخير والصلاح ...».
فصدر كلامه على القاعدة المتّبعة عند أهل الحق ، من حمل النصوص على ظواهرها ما دامت معانيها أمورا ممكنة ، ومؤوّل طلوع الشمس كما سبق لا يكون من أهل الشريعة ، وكذلك مؤوّل الأشراط على ما سبق ، لأنّ تلك التأويلات بعيدة كلّ البعد عن لغة التخاطب ، فتكون من قبيل التأويلات للباطنيّة ، وقد عرفت حكمها ، وليس شيء منها على قواعد التأويل المعروفة عند أهل العلم ، راجع «قانون التأويل» للغزالي.
فكأنّ الكاتب لم يدرس شيئا من كتب التوحيد عند أهله ، ليفهم مغزى كلام المتكلمين في السّمعيّات : هذه أمور ممكنة في العقل. يعنون أنه دلّ السمع على ثبوتها ، فوجب حملها عليها. ومنهم من يعبّر عن ذلك بقوله : لا يمتنع حملها على ظواهرها يعني عقلا ، فتعيّن حملها عليها شرعا ، لا بمعنى أنه لا مانع من حملها على ظاهرها شرعا ولا من عدم حملها.
وليس المقام يتسع لشرح الوجوب والامتناع والإمكان ووجه كون سلب الضرورة عن جانب العدم أعمّ من الوجوب في جانب الوجود ، وهذا من مبادئ المعارف لمن يشتغل بعلم أصول الدين ، ففهم الكاتب هنا يجلب إلى نفسه ضحك الضاحكين من صغار المتعلّمين.