الأخبار الكثيرة التي
معظمها صحاح وحسان ، وأما كثرة الطّرق من أسانيد تالفة فقط ، فلا تفيد الحسن ولا
الصحة فضلا عن التواتر.
وأمّا ما نصّوا
على أنه متواتر ، فيبدأ تخريجه من الصحيحين وباقي السنن إلى سائر الصحاح والمسانيد
والمصنفات ، فمن لا يطمئنّ قلبه إلى مثله في الدين ، لا يطمئنّ إلى شيء ولو تليت
عليه الكتب المنزلة كلّها.
وليست كثرة وجود
المتواتر تواترا معنويا موضع نزاع القوم ، ولا هذا مقابل قول ابن الصلاح ، بل
مجرّد وجود الحديث في الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقا وغربا ، بطرق
كثيرة تحيل العادة تواطؤ رجالها على الكذب : يؤذن بتواتر الخبر قطعا عند كل حاظ
بعقله ، تواترا لفظيا إذا اتّفقت ألفاظهم ، وتواترا معنويا إذا اختلفت ألفاظهم ،
مع اتفاقها في معنى يكون قدرا مشتركا بين الجميع.
وهذا القسم هو
الكثير جدّ الكثرة كما يظهر من كتب أهل الشأن ، ومعنى اجتماع تلك الكتب على تخرجي
الحديث ـ في لفظ بعضهم ـ اجتماع عدد منها يحتوي تلك الطرق الكثيرة ، التي هي مدار
الحكم بالتواتر ، لظهور بطلان حمل الكلام على الاستغراق الحقيقي ، لأنّ جمع كتب
الحديث كلّها غير ميسور لأحد في دور من الأدوار ، فكفى جمع عدد من الكتب المشهورة
المتداولة ، يحتوي تلك الطرق ، لظهور أنّ التعليق بالمحال ليس من عادة العلماء.
وكم من حديث لا
يوجد في الموطأ أو المنتقى لابن الجارود مثلا ، ويكون موجودا في باقي الصحاح
والسنن والمسانيد والجوامع ، بسبب أنّ الموطأ والمنتقى يقتصران على أحاديث الأحكام
، مع كون باقي الكتب أشمل في الرواية ، والحديث المذكور لا يكون من باب الأحكام
مثلا.
وتخطئة ابن الصلاح
في دعوى ندرة التواتر مشروحة في «النّكت» و «شرح الألفية» للعراقي و «التدريب»
للسيوطي وغيرها من الكتب المعروفة ، بحجج ملموسة. وعدّ الكاتب هذا القول أوسع
المذاهب في المتواتر غلط بل هو الذي حقّقته الدلائل الناهضة ، ومذهب لا يشترط في
عدد الرواة أكثر من خمسة يكون هو أوسع المذاهب في التواتر.
والظاهر أنه غاب
عن كاتب المقال اختلاف الأقوال في الأعداد التي يجب تحقّقها في التواتر ، فيكون ما
عليه الجماعة هو أعدل الأقوال ، فلا تقوم حجّة لسواه ،