فمحاولة الكاتب التمسّك باجتماع الكتب على تخريج الحديث ، وعدّه لذلك أوسع المذاهب للتخلّص من التواتر : مما يذهب هكذا أدراج الرياح عند من تدبّر ما ذكرناه.
ثم دعواه الإسراف في الحكم بالتواتر قديما وحديثا ، إبعاد في النّجعة ، وليس مثل هذه الدعوى المجردة مما يسمع من مثله ، بعد أن ساق أهل الشأن الطرق التي بها يحكمون على الحديث بالتواتر من كتب الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع والمصنفات وغيرها.
والمزاعم المجرّدة عن الدليل لا يهزم بها حق ، ولا ينصر بها باطل ، بل ترتدّ إلى زاعمها هزيما كما صدر ، ويقال لقائلها : «ما هكذا تورد الإبل يا بطل!».
وإن دلّت هذه الظاهرة منه على شيء ، إنما دلّت على أنه يريد التشكيك في السنة ودلالتها ، كما فعل مثل ذلك في دلالة الكتاب الكريم ، فنوصيه أن يقلع عن هذا ، ويحذر من المخاطرة بنفسه فيما لا قبل له به ، لأن الحقّ ظاهر لا يستره التمويه عن الأبصار ، والباطل مفضوح كائنا من كان ناصره ، وأوّل فخر لمن يقوم بالتدليل على تواتر خبر أن يسرد أسماء الصحابة الذين قاموا بروايته ، ثم التابعين ، ثم وثم طبقة فطبقة ، والاستياء من مثل هذا الجيش العرمرم ، شأن من يكون في صفّ الباطل وانهزم.
ولا أدري ما هو الداعي له إلى ذكر التعصّب المذهبي في خلع لقب التواتر على خبر الآحاد في نظره ، ونزول عيسى ليس اعتقاد أهل مذهب فقط ، بل المسألة إجماعية لا يوجد مذهب ينفيها ، فدونك «الفقه الأكبر» رواية حماد ، و «الفقه الأبسط» رواية أبي مطيع ، و «الوصية» رواية أبي يوسف ، و «عقيدة الطحاوي» ، يظهر منها أنّ اعتقاد نزول عيسى مذهب أبي حنيفة وأصحابه وأتباعهم ، وهم شطر الأمة المحمدية.
وكذا مالك وأصحابه وأتباعه ، والشافعيّ وأصحابه وأتباعه ، وليس أحد منهم ينكر نزول عيسى ، ولأحمد بن حنبل كتابات بعث بها إلى أصحابه في بيان معتقد أهل السنة ، وفي جميعها هذه المسألة ، وتلك الرسائل مروية بأسانيدها عند أهل العلم ، مدوّنة في «مناقب أحمد» لابن الجوزي ، وفي «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى وغيرهما ، وكذا الظاهرية.
وتصريح ابن حزم بنزوله عليهالسلام موجود في ٣ : ٢٤٩ من «الفصل» ، وفي ١ : ٩ وفي ٧ : ٣٩١ من «المحلى» ، بل المعتزلة كذلك كما يظهر من كلام الزمخشري ،