وأما تأويل الغزالي لقول من قال من بعض المشارقة : «إنّ خبر الواحد يفيد العلم» ، فلا يمشي في توجيه كلام ابن حزم ، لأنه مخالف لصريح قوله كما سبق ، وهذا كلّه على تقدير أنّ حديث نزول عيسى خبر آحاد كما يزعم الكاتب ، وإلا فتواتر هذا الحديث أمر مفروغ منه ، بنصوص أهل الشأن ، والمحتفّ بالقرائن قسيم لخبر الواحد عند الغزالي.
وأدهى من ذلك كلّه قول الشيخ المتهجم : «ومن هنا يتبيّن أن ما قلناه في الفتوى من (أنّ أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة ولا يصحّ الاعتماد عليها في شأن المغيّبات) قول مجمع عليه وثابت بحكم الضرورة العقلية التي لا مجال للخلاف فيها عند العقلاء.
هكذا سلب العقل عن جماعة علماء الأمّة الذين ليس بينهم من يرى رأيه ، وقوله هذا في فتياه بالطل بشقّيه ، كما أنّ تعليقه عليه هنا باطل بطلانا (مركّزا) ، لأنّ خبر الآحاد يفيد عقيدة اتفاقا ، كما ذكرنا نصوص أهل العلم في ذلك آنفا ـ وهم عقلاء ومن يرميهم بفقد العقل أيكون هو العاقل؟ ـ ولا ينافي ذلك ثبوتها بأدلة سواه.
ولو لا الاعتماد والاستناد على أخبار الآحاد في باب المغيّبات لكان حفّاظ الأمّة لاعبين في تدوين ما يتعلق بها في كتبهم ، ولكان علماء التوحيد هازلين حينما يقولون في كتبهم في الأمور الغيبية : صحّ الحديث في ذلك عن المعصوم ، ولا استحالة في حمله على ظاهره.
لأنه من المقرّر عند أهل الحق أنّ النصوص تحمل على ظواهرها ، ما لم يمتنع حملها على ظواهرها ، فإذا امتنع ظاهر النص أوّل إذ ذاك فقط ، فيذكرون الأخذ بالاظهر ما لم يمتنع الأخذ به امتناعا عقليا أو شرعيا.
ثم الغريب كل الغرابة أن يدّعي عن ذلك الحكم الباطل بشقّيه «أنه مجمع عليه» ، مع كونه لا يعير سمعا إلى حجّيّة الإجماع ، كما يعلم من كلامه في العدد (٥١٩) في الرسالة. وهذا مما تضحك منه الثّكلى لظهور بطلان الأصل بشقّيه ، فضلا عن ثبوت الإجماع عليه ، بل لا يصح نقل أحد الشقين عن أحد يعي ما يقوله ، بل القول «بأنّ ذلك ثابت بحكم الضرورة العقلية التي لا مجال للخلاف فيها عند العقلاء» لا يصدر ممن يزن كلامه.