ثم العمل بخبر الآحاد ثابت بالدليل القطعيّ المفيد للعلم ، كما نصّ على ذلك أبو الحسن الكرخي ، والسمعانيّ في «القواطع» ، والغزاليّ في «المستصفى» ، وعبد العزيز البخاريّ في «شرح أصول فخر الإسلام».
والاعتقاد عمل قلبي يؤخذ من خبر الآحاد ، كما سبق من فخر الإسلام ، فيكون إنكار أخذ الاعتقاد من خبر الآحاد إنكارا للدليل القطعيّ المفيد للعلم الموجب للعمل بخبر الآحاد ، أعمّ من أن يكون عمل الجوارح ، وعمل القلب ـ وهو الاعتقاد ـ ما ذا يكون موقف الكاتب إزاء هذا؟ حتى على فرض أنّ خبر النزول خبر آحاد؟
فيعلم أن حفّاظ الأمة ما كانوا عابثين في تدوينهم لأخبار الآخرة والأمور الغيبية في كتبهم ، ولا كان الأئمة لاعبين في تدوينهم السمعيات في كتب العقائد ، رغم خيال هذا الكاتب.
ثم تأويل الغزاليّ لقول بعض المحدّثين : «إنّ خبر الآحاد يفيد العلم» بالعلم بوجوب العمل به ، لا يمكن تأويل كلام ابن حزم به ، لأنه ينافي صريح كلامه في «الإحكام» ١ : ١٢٤ ، حيث قال بعد سرد مقدّمات : «وإذا صحّ هذا فقد ثبت يقينا أنّ خبر الواحد العدل عن مثله مبلّغا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حقّ مقطوع به ، موجب للعلم والعمل معا». ومعه في هذا الرأي أناس ذكرهم هناك ، والعالم البعيد عن الهوى لا يقتصر في النقل على ما يحسبه نافعا له بدون تمحيص ، بل يرى الحقّ هو النافع حيثما كان.
وحديث نزول عيسى على فرض أنه خبر آحاد ، مما اتّفق البخاريّ ومسلم عليه بدون نكير من أحد من حيث الصناعة الحديثية ، وتلقّاه الأمة بالقبول خلفا عن سلف ، واستمرّ علماء الأمة على اعتقاد مدلوله على توالي القرون ، فيتحتم الأخذ به.
هذا إذا فرض أنه خبر آحاد ، فكيف وهو متواتر قطعا ، على ما ذكرنا من نصوص أهل الشأن في ذلك ، فيكون إنكار ذلك بعد الإلمام بأطراف الحديث بالغ الخطورة ، نسأل الله السلامة.
والمتحقّق في مسألة الرفع والنزول هو الخبر المتواتر. وقد نصّ البزدويّ في آخر بحث المتواتر ، على أنّ منكر المتواتر ومخالفه يصير كافرا ، وذكر في صدد التمثيل للمتواتر «وذلك مثل القرآن ، والصلوات الخمس ، وأعداد الركعات ، ومقادير الزكوات ، وما أشبه ذلك». ونزول عيسى ليس بأقلّ ذكرا في كتب الحديث من مقادير الزكوات.