وما لفرد لا يصحّ أن ينسب إلى جماعته ، وها هو خطيب المعتزلة ولسانهم الناطق تراه في «الكشاف» يقرّ بالرفع والنزول على طول الخطّ ، وكذا الإماميّة عند دفاعهم عن خروج المهديّ ، فلا يكون منكر الرفع والنزول إلّا مفارقا للجماعة ، جاريا مع الهوى ، منابذا للكتاب والسنة ، ونبذ ما عليه الجماعة ، المستمدّ من الكتاب والسنة ، والميل إلى رأي مستمدّ من أهل الكتاب : إبعاد في الشذوذ ، وقد قال ابن أبي عبلة : الرأي الشاذّ إنما يحمله الرجل الشاذّ.
ثم ذكر الكاتب الفرق بين خبر الآحاد والخبر المتواتر ، بإطالة مستغنى عنها ، ونقل كلمات بعض أهل العلم في ذلك ببتر وتزيّد ، على أمل أن يجد فيها ما يغطّي على شذوذه ، والواقع أن من قال : إنّ خبر الآحاد يفيد العمل فقط ، يريد بالعمل ما يشمل عمل الجوارح وعمل القلب ـ وهو الاعتقاد ـ كما نصّ على ذلك البزدوي نفسه ، حيث قال في آخر مبحث خبر الآحاد :
فأمّا الآحاد في أحكام الآخرة فمن ذلك ما هو مشهور ، ومن ذلك ما هو دونه ، لكنه يوجب ضربا من العلم ، على ما قلنا ، وفيه ضرب من العمل أيضا ، وهو عقد القلب عليه ، إذ العقد فضّل على العلم والمعرفة ، وليس من ضروراته ، قال الله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النّمل : ١٤] ، وقال تعالى : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة : ١٤٦] ، فصحّ الابتلاء بالعقد ، كما صحّ الابتلاء بالعمل بالبدن».
وبذلك يعلم وجه تدوين أخبار الآحاد في كتب الحديث في المغيّبات وأمور الآخرة ، كما يعلم أنه لا يوجد تلازم كلّيّ بين العلم والاعتقاد على ما سبق تفصيله ، فالآن قد ظهر من يفهم معنى «العقيدة» ومن لا يفهمه حقا. ومن تزبّب قبل أن يتحصرم ، يلقى ما يلقاه من تزعّم قبل أن يتعلّم.
ثمّ من قال : إنّ خبر الآحاد لا يفيد العلم ، يريد خبر الآحاد من حيث هو بالنظر إلى رأي جماعة ، وإلا فخبر الآحاد الذي تلقّته الأمّة بالقبول يقطع بصدقه ، كما نصّ على ذلك أبو المظفّر السّمعانيّ في «القواطع».
وقد حكى السّخاويّ في «فتح المغيث» عن جماعة من المحقّقين : إفادة خبر الآحاد العلم عند احتفافه بالقرائن ، بل قال جماعة : إنّ ما اتّفق عليه البخاريّ ومسلم يفيد في غير مواضع النقد منه العلم ، لاحتفافه بالقرائن ، ومنهم الغزالي.