__________________
ـ سنة ٣٧٣ ه. وبعد مائة سنة من هذا التاريخ ترى ينجم بين الحشوية شخص جريء يلقبه شركاؤه في الضلال بشيخ الإسلام. ويؤلف لهم كتابا سماه «الفاروق» وكتابا سماه «ذم الكلام» وغيرهما. يضمنهما روايات طامة. وآراء سخيفة للغاية يفتن بها كثيرا من الجهال. وهو الذي لا يتحاشى أن يروي عن كعب (أن الله سبحانه قال للجبال إني واطئ على جبل فتطاولت الجبال فتواضع الطور فهبط عليه). وكذا «أطيط العرش من ثقل الذات عليه» والحد ونحو ذلك ومما يقول في ذم الكلام : «أن الأشعرية لا تحل ذبائحهم ولا مناكحتهم لأنهم ليسوا بمسلمين ولا أهل كتاب» باعتبار أنهم لا يقولون إن الله يسكن السماء. وهذا الأفّاك تناول في «الفاروق» لفظ أبي حنيفة السابق. وتزيد فيه ما شاء تزيد شائنا منافيا لنفي الأينية المنصوص عليه في المتن الأصلي السابق ذكره المتداول بين أصحابنا على توالي الطبقات فذاع بعض النسخ من الفقه الأكبر على هذا التزيد والإفك المبين فانخدع به بعض الأغرار ممن لم يؤتوا بصيرة فنسأل الله الصون. وفي نسخة في رجال سندها الكوراني المذكور حاله في أواخر حسن التقاضي ما عبارته : (قال أبو حنيفة : من قال : لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر لأن الله تعالى قال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)) [طه : ٥] فإن قال : إنه تعالى على العرش استوى. ولكنه يقول : لا أدري العرش في السماء أم في الأرض. قال هو كافر لأنه أنكر كون العرش في السماء لأن العرش في أعلى عليين) ولا وجود لهذين التعليلين في رواية أبي الليث وغيرهما من أصحابنا كما سبق ، على أنه ليس فيهما إثبات مكان له تعالى وإنما فيهما إثبات استوائه تعالى على العرش استواء يليق بجلاله كما هو معتقد أهل الحق ، وأنى ذلك من إثبات الاستقرار المكاني له تعالى على العرش؟ وذلك القائل جوّز إثبات المكان له تعالى فأخذ يتحرى مكانا له في السماء والأرض. وهذا جهل بالله وكفر به عند أبي حنيفة ، لأن التجويز في حكم التنجيز في باب المعتقد ، ومن أثبت له مكانا حسيا فما زال عابدا للصنم تعالى الله عن جهالات الجاهلين ـ راجع الجزء الثاني من العواصم عن القواصم لأبي بكر بن العربي ، وهنا بسط القول في العرش والاستواء عليه عند أهل الحق ، وهذا هو الموافق لنفي الأين والمكان عنه ـ تعالى كما سيأتي في متن هذا الكتاب وللنص المسوق في الوصية لأبي حنيفة ونجد ذلك كله مجموعا في صعيد واحد في (إشارات المرام) ، ولفظ الذهبي في العلو في التعليل الأول (وعرشه فوق سماواته) وفي التعليل الثاني (إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر) نقلا عن فاروق الهروي بإقامة الضمير مقام الظاهر تمهيدا لصرفه إلى معتقد الحشوية. ولفظ ابن القيم في اجتماع الجيوش في التعليل الثاني : (لأنه أنكر أن يكون في السماء لأنه تعالى في أعلى عليين) نقلا عن الهروي بواسطة شيخه فانظر إلى هذا التصرف المعيب والبهت الغريب ، فرأس المصيبة هو الهروي وزاده الشيخان ما شاء من غير ورع ، وأين في الكتاب والسنة تعيين مكان له تعالى في أعلى عليين (*) (ز)
__________________
(*) (يناقض نفسه في التزيد مرة يكفر من لا يقول : إنه على العرش فوق السماوات ومرة يكفر من لا يقول إنه في السماء. وأحدهما يناقض الآخر وأبو حنيفة براء من الاثنين (ز).