الله تعالى من أعلى لا من أسفل (١) لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء. وعليه ما روي في الحديث أن رجلا أتى إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بأمة سوداء فقال : وجب علي عتق رقبة مؤمنة ، أفتجزئ هذه؟ فقال لها النبي صلىاللهعليهوسلم : «أمؤمنة أنت؟» فقالت : نعم.
فقال : «أين الله» (٢) فأشارت إلى السماء ، فقال : «اعتقها فإنها مؤمنة». قال أبو حنيفة : من قال لا أعرف عذاب القبر فهو من الجهمية الهالكة لأنه أنكر قوله تعالى : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) [التّوبة : ١٠١] ـ يعني عذاب القبر ـ وقوله تعالى : (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ) [الطّور : ٤٧] ـ يعني في القبر ـ فإن قال : أؤمن بالآية ولا أؤمن بتأويلها وتفسيرها ، قال : هو كافر لأن من القرآن ما هو تنزيله تأويله. فإن جحد بها فقد كفر ، قال أبو حنيفة رحمهالله : حدثني رجل عن المنهال بن عمرو عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «شرار أمتي يقولون إنا في الجنة دون النار».
وحدثت عن أبي ظبيان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ويل للمتألين (٣) من أمتي» قيل : يا رسول الله وما المتألون؟ قال : «الذين يقولون فلان في الجنة وفلان في النار». وحدثت عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تقولوا أمتي في الجنة ولا في النار دعوهم حتى يكون الله يحكم بينهم يوم القيامة». قال : وحدثني أبان عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله عزوجل : لا تنزلوا عبادي جنة ولا نارا حتى أكون أنا الذي أحكم فيهم يوم القيامة وأنزلهم منازلهم». قلت : فأخبرني عن القاتل والصلاة خلفه؟ فقال : «الصلاة خلف كل بر وفاجر جائزة ، فلك أجرك
__________________
(١) يشير إلى أن السماء قبلة الدعاء لا أنها مسكن رب العالمين تعالى شأنه فكيف وسمعت الرأس مما يتبدل كل آن ، وقد بسطنا ذلك فيما علقناه على السيف الصقيل والأسماء والصفات (ز).
(٢) سؤال استكشاف فلا يفيد إثبات المكان له تعالى كما في شرح المواقف ، واستعمال أين للسؤال عن المكانة معروفة كقول عمرو بن العاص
فأين الثريا وأين الثرير أين معاوية من علي.
والاعتلاء على السماء قد يراد به مجرد علو الشأن بدون ملاحظة أي مكان. قال الشاعر :
علونا السماء مجدنا وجدودنا |
|
وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا |
وبسط القول في حديث الجارية فيما علقته على الأسماء والصفات للبيهقي. راجع «ص ٤٢٢» منه (ز).
(٣) أخرجه البخاري في تاريخه. والتألي على الله هو الحالف المتحكم في أنه يدخل فلانا الجنة وفلانا النار (ز).