بجميع ما يؤمن به إلا أنه قال : لا أعرف موسى وعيسى أمرسلان هما أم غير مرسلين فهو كافر ، ومن قال لا أدري الكافر أهو في الجنة أو في النار فهو كافر ، لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) [فاطر : ٣٦] وقال : (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) [البروج : ١٠] وقال الله تعالى : (وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) [الشّورى : ١٦]. قال أبو حنيفة رحمهالله : بلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال : من لم ينزل الكفار منزلهم من النار فهو مثلهم. قلت : فأخبرني عمن يؤمن ولا يصلي ولا يصوم ولا يعمل شيئا من هذه الأعمال هل يغني إيمانه شيئا؟ قال : هو في مشيئة الله تعالى إن شاء عذّبه وإن شاء رحمه. وقال : من لم يجحد شيئا من كتابه فهو مؤمن. قال أبو حنيفة : حدثني بعض أهل العلم أن معاذ بن جبل رضي الله عنه لما قدم مدينة حمص اجتمعوا إليه وسأله شاب فقال : ما تقول فيمن يصلي ويصوم ويحج البيت ويجاهد في سبيل الله تعالى ويعتق ويؤدي زكاته غير أنه يشك في الله ورسوله؟ قال : هذا له النار ، قال : فما تقول فيمن لا يصلي ولا يصوم ولا يحج البيت ولا يؤدي زكاته غير أنه مؤمن بالله ورسوله؟ قال : أرجو له وأخاف عليه. فقال الفتى : يا أبا عبد الرّحمن كما أنه لا ينفع (١) مع الشك عمل. فكذلك لا يضر (٢) مع الإيمان شيء. ثم مضى الفتى ، فقال معاذ : ليس في هذا الوادي أحد أفقه من هذا الفتى (٣).
قال أبو حنيفة : فقاتل أهل البغي بالبغي لا بالكفر. وكن مع الفئة العادلة والسلطان الجائر. ولا تكن مع أهل البغي. فإن كان في أهل الجماعة فاسدون
__________________
(١) والمنفي النفع الخاص هنا وهو النفع الذي ينقذ من الخلود في النار بدليل السياق فلا ينتفع الشاك في الله ورسوله بعمل من الأعمال في إنقاذه من الخلود في النار. ولذابت في الشاك أنه في النار. والشك اللاحق يهدم الطاعة السابقة (ز).
(٢) وكذا المراد من الضرر المنفي هنا هو الضرر الخاص. وهو الضرر المزيل للرجاء بدليل السياق أيضا فلا يكون المؤمن فاقد الرجاء يائسا من العفو بما اقترف من ذنب ما دام مؤمنا وهو المراد بقول معاذ : (أرجو له وأخاف عليه) حيث لم يبت بدخوله في النار مرجئا أمره إلى الله ولو لم يكن مراد الفتى هذا لما أثنى عليه معاذ رضي الله عنه ، وإلا كان كلامه متناقضا فحاشاه من ذلك ، وتقييد المطلق بقرائن السياق والسباق في غاية الكثرة في اللسان العربي المبين وأما الإيمان اللاحق فيجب العصيان السابق (ز).
(٣) وفي هذا المعنى ما أخرجه الحارثي عن أبي حنيفة عن الحارث بن عبد الرّحمن عن أبي مسلم الخولاني ، عن معاذ رضي الله عنه ، راجع مسند الحارثي في مكتبة الأزهر في الحديث (رقم ١٩٣٠) في أواخر الكتاب في مرويات أبي حنيفة عن الحارث بن عبد الرّحمن عن شيوخه ومثله في أوائل مختصر مسند الحصكفي لمحمد عابد السندي وهو مطبوع (ز).