وقال : رحم الله معاذا فأخبر به ابن مسعود ، فقال له : إنك لمؤمن ، قال : نعم ، قال : فتقول إنك من أهل الجنة ، قال : رحم الله معاذا فإنه أوصاني أن أحذر زلّة العالم والأخذ بحكم المنافق ، قال : فهل من زلة رأيت؟ قال : نشدتك بالله أليس النبي صلىاللهعليهوسلم كان والناس يومئذ على ثلاث فرق مؤمن في السر والعلانية ، وكافر في السر والعلانية ومنافق في السر ومؤمن في العلانية فمن أي الثلاث أنت؟ قال : أما أنا فإذا ناشدتني بالله فإني مؤمن في السر والعلانية. قال : فلم لمتني حيث قلت : إني لمؤمن؟ قال : أجل هذه زلتي فادفنوها علي فرحم الله معاذا. قلت لأبي حنيفة رحمهالله : فمن قال إني من أهل الجنة؟ قال : كذب. لا علم له به. قال : والمؤمن من يدخل الجنة بالإيمان فيعذّب في النار بالأحداث. قلت فإنه قال : إنه من أهل النار؟ قال : كذب لا علم له به قد أيس من رحمة الله تعالى ، قال أبو حنيفة رحمهالله : ينبغي أن يقول : أنا مؤمن حقا ، لأنه لا يشك في إيمانه قلت : أيكون إيمانه كإيمان الملائكة؟ قال : نعم (١) قلت وإن قصر عمله فإنه مؤمن حقا قال : فحدثني حديث حارثة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال له : «كيف أصبحت؟» قال : أصبحت مؤمنا حقا ، قال : «انظر ما تقول فإن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟» فقال : عزفت نفسي عن الدنيا حتى أظمأت نهاري وأسهرت ليلي. فكأني أنظر إلى عرش ربي ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر إلى أهل النار حين يتضاغون فيها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أصبت فالزم ، أصبت فالزم» ثم قال : «من سرّه أن ينظر إلى رجل نوّر الله تعالى قلبه فلينظر إلى حارثة» ثم قال : يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة فدعا له بها فاستشهد قلت : فما بال أقوام يقولون لا يدخل المؤمن النار؟ قال : «لا يدخل النار إلا كل مؤمن» قلت : والكافر؟ قال : «هم يؤمنون يومئذ» قلت : وكيف ذلك؟ قال : «لقوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [غافر : ٨٤ ، ٨٥]».
قال أبو حنيفة رحمهالله : من قتل نفسا بغير حق أو سرق أو قطع الطريق أو فجر أو فسق أو زنى أو شرب الخمر أو سكر فهو مؤمن فاسق ، وليس بكافر ، وإنما يعذبهم بالأحداث في النار ويخرجهم منها بالإيمان ، قال أبو حنيفة رحمهالله : من آمن
__________________
(١) مهما كان الإيمان هو العقد الجازم لا يمكن فيه احتمال للنقيض أصلا فيكون إيمان المؤمنين على حد سواء فالتفاضل بينهم بالأعمال التي هي من كمال الإيمان وأما جعل العمل ركنا من الإيمان فلا يمكنه التملص مما وقع فيه الخوارج أو المعتزلة نعوذ بالله من سوء المنقلب (ز).