بعض ما أمر به فيعذّب إن عذّب على ما عمل. ولا يعذّب على ما لم يعمل كالرجل الذي قتل ولم يسرق إنما يؤاخذ بالقتل. ولا يؤاخذ بالسرقة. وكذلك قال الله تعالى : (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [يس : ٥٤]. والمريض ما كان مرضه أقل كان أهون عليه. والذي يعذّب في الدنيا ويرفع عنه أشد العذاب ويعذّب بلون واحد فهو أهون عليه من أن يعذّب بلونين. وكذلك المؤمن إن عذّب على ذنب واحد فهو أهون من أن يعذّب على ذنبين.
قال المتعلم رحمهالله : هذا لعمري ما نعرف من العدل ولكن أخبرني من أين صار كفر الكفار واحدا وعبادتهم كثيرة مختلفة من حيث صار إيمان أهل السماء ومن آمن من أهل الأرض إيمانا واحدا وفرائضهم كثيرة مختلفة.
قال العالم رضي الله عنه : وذلك لأن فرائض الملائكة غير فرائضنا. وفرائضهم وفرائض الأولين غير فرائضنا. وإيمان أهل السماء وإيمان الأولين وإيماننا واحد لأننا آمنا وعبدنا الرب عزوجل وحده وصدقنا جميعا ، فكذلك الكفار كفرهم وإنكارهم واحد وعبادتهم مختلفة ، وذلك لأنك لو سألت اليهودي من تعبد؟ يقول الله أعبد وإذا سألته عن الله قال هو الذي عزير ولده وهو الذي على مثال البشر ، ومن كان بهذه الصفة لم يكن مؤمنا بالله. وإذا سألت النصراني من تعبد؟ قال الله الله أعبد. وإذا سألته عن الله قال هو الذي في جسد عيسى وفي بطن مريم. يجتن في شيء ويحيط به شيء ، ويلج في شيء ، ومن كان بهذه الصفة لم يكن مؤمنا بالله. وإذا سألت المجوسي من تعبد؟ يقول الله أعبد فإذا سألته عن الله؟ قال هو الذي له الشريك والولد والصاحبة ومن كان بهذه الصفة لم يكن مؤمنا بالله فجهالة هؤلاء كلهم بالرب جلّ وعز وإنكارهم واحد. ونعوتهم وصفاتهم وعبادتهم كثيرة مختلفة. كمثل ثلاثة نفر قال أحدهم : إن عندي لؤلؤة بيضاء ليس في العالم مثلها ، فأخرج حبة من عنب سوداء فحلف أنها لؤلؤة. وخاصم الناس في ذلك. وقال آخر : عندي اللؤلؤة المرتفعة التي ليس في العالم مثلها ، فأخرج سفر جلة فحلف على ذلك وخاصم الناس أنها لؤلؤة. وقال الثالث : اللؤلؤة اليتيمة هي التي عندي ، وأخرج قطعة من مدر فجعل يحلف على ذلك ، ويخاصم الناس عليها أنها لؤلؤة ، وكل هؤلاء اجتمعت جهالتهم باللؤلؤة لأنه ليس أحد منهم يعرف اللؤلؤة ، وصفاتهم كثيرة مختلفة ، فتعرف بذلك أنك لا تعبد موصوفهم ولا معبودهم لأنهم يصفون الثلاثة والاثنين وإنما يعبدون الذي يصفونه ، وأنت تصف الواحد فمعبودك غير معبودهم ، ومعبودهم غير معبودك ولذلك قال الله عزوجل : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣)) [الكافرون : ١ ـ ٣].