قال العالم رضي الله عنه : ليس شيء أهيب إلى المؤمن من الله ، وذلك لأنه ينزل به المرض الشديد في جسمه أو تنزل به المصيبة الموجعة من الله تعالى ، فلا يقول في سر وعلانية بئس ما صنعت يا رب ، ولا يحدث نفسه بذلك ولا يزداد له إلا ذكرا ، ولو نزل عشر عشير ذلك ، من بعض ملوك الدنيا لتناوله وجوّره بقلبه ولسانه عند أهل ثقته ، حيث لا يسمع ذلك الملك كلامه ، فالمؤمن يراقب الله تعالى في السر والعلانية وفي الحر والبرد ، وملوك الدنيا لا يراقبون في السر والعلانية ، ولا في الكره والرضا ، ولأنه ربما أصابته الجنابة في ليلة باردة فهو يقوم على كره منه حيث لا يعلم أحد ما نزل به غير الله تعالى فيغتسل مخافة من الله أو يصوم في الحر الشديد وقد أصابه الجهد الشديد من العطش وليس بحضرته أحد فهو يراقب الله تعالى ويتصبر ولا يجزع لمخالفته ، والرجل إنما يهاب الملك ما دام بحضرته ، فإذا توارى عنه لم يهبه فمن هاهنا عرفنا بأنه ليس شيء بأهيب إلى المؤمن من الله تعالى.
قال المتعلم رحمهالله : قلت لعمري هذا ما نعرفه من أنفسنا. ولكن أخبرني عمن جهل الإيمان والكفر ما هو؟.
قال العالم رضي الله عنه : إن الناس إنما يكونون مؤمنين بمعرفتهم وتصديقهم بالرب جلّ وعلا. ويكونون كفارا بإنكارهم بالرب تعالى. فأما إذا أقروا للرب بالعبودية وصدقوا بوحدانيته وبما جاء منه ولم يعلموا ما اسم الإيمان واسم الكفر لا يكونون بهذا كفارا بعد أن علموا أن الإيمان خير ، والكفر شر ، كالرجل الذي يؤتى بالعسل والصبر. فيذوق منهما ويعلم أن العسل حلو. والصبر مر من غير أن يعلم ما اسم العسل؟ وما اسم الصبر؟ ولا يقال له جاهل بالحلاوة والمرارة. ولكن يقال له جاهل باسمهما. كذلك الذي لا يعلم ما اسم الإيمان والكفر. غير أنه يعلم أن الإيمان خير والكفر شر. فلا يقال له : إنه جاهل بالله ولكن يقال له : إنه جاهل باسم الإيمان والكفر.
قال المتعلم رحمهالله : أخبرني عن المؤمن إن عذّب هل ينفعه إيمانه؟ وهل يعذّب بعد إيمانه وفيه الإيمان؟.
قال العالم رضي الله عنه : سألت عن مسائل لم تسأل مثلهن في مسألتك. وأنا أفتيك فيهن إن شاء الله. أما قولك إن عذّب المؤمن فهل ينفعه إيمانه وفيه الإيمان إن عذّب؟ نعم ينفعه إيمانه لأنه يرفع عنه أشد العذاب. وأشد العذاب إنما يكون على الكافر. لأنه لا ذنب أعظم من الكفر. وهذا المؤمن لم يكفر بالله ولكن عصاه في