قال العالم رضي الله عنه : أو علمت ما أردت بهذه المسألة أن المؤمن إذا عصى الله تعالى ليس يكون بمعصيته تلك مطيعا للشيطان طالبا لمرضاته يتعمد ذلك وإن وافق عمله للشيطان طاعة ورضا.
قال المتعلم رحمهالله : أخبرني عن العبادة ما تفسيرها؟
قال العالم رضي الله عنه : اسم العبادة اسم جامع يجتمع فيه الطاعة والرغبة والإقرار بالربوبية. وذلك أنه إذا أطاع الله العبد في الإيمان به دخل عليه الرجاء والخوف من الله فإذا دخل عليه هذه الخصال الثلاث فقد عبده ولا يكون مؤمنا بغير رجاء ولا خوف ولكنه رب مؤمن يكون خوفه من الله أشد وآخر يكون خوفه أقل. وكذلك من أطاع أحدا رجاء ثوابه أو مخافة عقابه من دون الله فقد عبده. ولو كان العمل بالطاعة وحدها في كل شيء عبادة لكان كل من أطاع غير الله تعالى فقد عبده.
قال المتعلم رحمهالله : ما أحسن ما قلت ولكن أخبرني أرأيت من خاف شيئا أو رجا منفعة شيء هل يدخل عليه الكفر؟.
قال العالم رضي الله عنه : الخوف والرجاء على منزلتين وإحدى المنزلتين من كان يرجو أحدا أو يخافه يرى أنه يملك له من دون الله ضرا أو نفعا فهو كافر. والمنزلة الأخرى من كان يرجو أحدا أو يخافه لرجائه الخير أو مخافة البلاء من الله تعالى عسى الله أن ينزل به على يدي آخر أو من سبب شيء فإن هذا لا يكون كافرا لأن الوالد يرجو ولده أن ينفعه ويرجو الرجل دابته أن تحمل له. ويرجو جاره أن يحسن إليه ويرجو السلطان أن يدفع عنه ، فلا يدخل عليه الكفر. لأنه إنما رجاؤه من الله عسى أن يرزقه من ولده أو من جاره ويشرب الدواء عسى الله أن ينفعه به فلا يكون كافرا ، وقد يخاف الشر ويفر منه مخافة أن يبتليه الله به. والقياس في ذلك موسى عليه الصلاة والسلام الذي اصطفاه الله تعالى برسالته وخصه بكلامه إياه حيث لم يجعل بينه وبين موسى رسولا قال : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [الشّعراء : ١٤] وسيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم حيث فرّ إلى الغار فلم يدخل عليهم الكفر. وكذلك أيضا يخاف الرجل من السبع أو الحية أو العقرب أو هدم بيت أو سيل أو أذى طعام يأكله ، أو شراب يشربه ، فلا يدخل عليه الكفر ولا الشك ولكن إنما يدخل الجبن.
قال المتعلم رحمهالله : لقد قلت ما نعرف ، ولكن أخبرني عن المؤمن ما شأنه يهاب هذا المخلوق ما لا يهاب الله؟.