كان من عمل يرائي به الناس فإن ذلك العمل الصالح الذي راءى به لا يتقبله الله منه فما كان سوى هذا من السيئات فإنه لا يهدم الحسنات.
قال المتعلم رحمهالله : لقد وصفت الذي هو العدل ولكن أخبرني عمن يشهد عليك بالكفر ما شهادتك عليه؟
فقال العالم رضي الله عنه : شهادتي عليه أنه كاذب : ولا أسميه بذلك كافرا ؛ ولكن أسميه كاذبا ؛ لأن الحرمة حرمتان حرمة تنتهك من الله تعالى ؛ وحرمة تنتهك من عبيد الله سبحانه : فالحرمة التي تنتهك من الله عزوجل هي الإشراك بالله والتكذيب والكفر ؛ والحرمة التي تنتهك من عبيد الله ؛ فذلك ما يكون بينهم من المظالم. ولا ينبغي أن يكون الذي يكذب على الله وعلى رسوله كالذي يكذب عليّ لأن الذي يكذب على الله وعلى رسوله ذنبه أعظم من أن لو كذب على جميع الناس ، فالذي شهد علي بالكفر ، فهو عندي كاذب ، ولا يحل لي أن أكذب عليه لكذبه علي ؛ لأن الله تعالى قال : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] قال لا يحملنكم عداوة قوم أن تتركوا العدل فيهم.
قال المتعلم رحمهالله : هذه صفة معروفة ولكن كيف تقول في رجل يشهد على نفسه بالكفر؟.
قال العالم رضي الله عنه : إني أقول ليس ينبغي لي أن أحقق كذبه على نفسه وذلك لأنه لو قال لنفسه إنه حمار لا ينبغي لي أن أقول صدق غير أنه إن قال : إنه بريء من الله أو قال : لا أومن بالله ولا برسوله سميته كافرا وإن سمّى نفسه مؤمنا.
وكذلك إذا وحّد الله وآمن بما جاء من عند الله سميته مؤمنا وإن سمّى نفسه كافرا.
قال المتعلم رحمهالله : أراك فيه أحسن قولا منه في نفسه. وأنت أحق بذلك ولكن أخبرني أرأيت إن قال لي : إني بريء من دينك أو مما تعبد؟.
قال العالم رضي الله عنه : إن قال لي هذا لم أعجل ولكني أسأله عند ذلك أتبرأ من دين الله؟ أو تبرأ من الله فأي القولين قاله سميته كافرا مشركا. فإن قال : لا أبرأ من الله ولا أبرأ من دين الله ولكن أبرأ من دينك لأن دينك هو الكفر بالله وأبرأ مما تعبد لأنك تعبد الشيطان. فإني لا أسميه كافرا. لأنه إنما يكذب علي.
قال المتعلم رحمهالله : هذا لعمري هو قول أهل الورع والتثبت. ولكن أخبرني أليس من أطاع الشيطان وطلب مرضاته فهو كافر وعابد الشيطان؟.