قال المتعلم رحمهالله : لحسن ما فسرت. ولكن أخبرني عمن يزعم أن شارب الخمر لا يقبل منه صلاة أربعين ليلة أو أربعين يوما. وبيّن لي ما هذا الذي يبطل الحسنات ويهدمها؟.
قال العالم رضي الله عنه : إني لست أدري تفسير الذي يقولون إنّ الله لا يقبل من شارب الخمر صلاة أربعين ليلة أو يوما ، فلست أكذبهم ما داموا لا يفسرونه تفسيرا لا نعرفه مخالفا للعدل. لأنا قد نعرف أن من عدل الله أن يأخذ العبد بما ركب من الذنب أو يعفو عنه. ولا يأخذه بما لم يرتكب من الذنب ، وأن يحسب له ما أدى إليه من الفرائض ويكتب عليه ذنبه. ومثل ذلك لو أن رجلا أدّى من زكاة ماله خمسين درهما. وقد كان عليه أكثر من ذلك فإنما يؤاخذه الله بما لم يؤد ويحسب له ما قد أدى. وكذلك إذا صام وصلّى وحجّ وقتل فإنه يحسب له حسناته ويكتب عليه سيئاته ولذلك قال الله عزوجل : (لَها ما كَسَبَتْ) [البقرة : ١٣٤] يعني من الخبر (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦] يعني من الشر. وقال : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) [آل عمران : ١٩٥] وقال : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف : ٣٠] وقال : (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [يس : ٥٤] وقال : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الطّور : ١٦] وقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)) [الزّلزلة : ٧ ، ٨] وقال : (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣)) [القمر : ٥٣]. فهو تبارك وتعالى يكتب الصغير من الحسنات والسيئات ، وقال تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧)) [الأنبياء : ٤٧]. فمن قال لا ، بهذا القول فإنه يصف الله تبارك وتعالى بالجور وقد أمن الله الناس من الظلم حيث قال : (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) [الأنبياء : ٤٧](وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [يس : ٥٤] وقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)) [الزّلزلة : ٧ ، ٨] ، وقد سمّى نفسه شكورا لأنه يشكر الحسنة. وهو أرحم الراحمين. وأما الحسنات فإنه لا يهدمها شيء غير ثلاث خصال. أما الواحد فالشرك بالله لأن الله تعالى قال : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) [المائدة : ٥] والأخرى أن يعمل الإنسان فيعتق نسما أو يصل رحما أو يتصدق بمال يريد بهذا كله وجه الله. ثم إذا غضب أو قال في غير الغضب امتنانا على صاحبه الذي كان المعروف منه إليه : ألم أعتق رقبتك؟ أو يقول لمن وصله : ألم أصلك؟ وفي أشباه هذا يضرب به على رأسه. ولذلك قال الله عزوجل : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤] والثالثة ما