يكونوا يهودا أو نصارى ، وكذلك كان المنافقون على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان المسلمون يسمونهم مؤمنين بما يظهرون لهم من الإقرار ، وهم عند الله كفار بما في القلوب من التكذيب ، فمن هاهنا أنا نسمي أناسا مؤمنين بما يظهر لنا منهم ، وعسى أن يكونوا عند الله كفارا ، وآخرين نسميهم كفارا بما يظهرون لنا من زي الكفار من غير أن يكون فيهم شيء من زي المؤمنين وعسى أن يكونوا عند الله تعالى مؤمنين من قبل إيمانهم بالله ، ويصلون من غير أن نعلم ذلك منهم. فلا يؤاخذنا الله سبحانه وتعالى بذلك ؛ لأنه لم يكلفنا علم القلوب والسرائر ، وإنما كلفنا ربنا أن نسمي الناس مؤمنين ونحبهم ونبغضهم على ما يظهر لنا منهم ، والله أعلم بالسرائر ، وهكذا أمر الكرام الكاتبين أن يكتبوا ما يظهر لهم من الناس ، وليسوا من القلوب بسبيل لأن ما في القلوب لا يعلمه أحد إلا الله أو رسول يوحى إليه فمن ادعى علم ما في القلوب بغير وحي فقد ادعى علم رب العالمين ، ومن زعم أنه يعلم بما في القلوب وغير القلوب ما يعلم رب العالمين فقد أتى بعظيمة واستوجب النار والكفر.
قال المتعلم رحمهالله : قد وصفت العدل. ولكن أخبرني من أين جاء أصل الإرجاء وما تفسيره ومن الذي يؤخر ويرجأ أمره؟.
قال العالم رضي الله عنه : جاء أصل الإرجاء من قبل الملائكة حيث عرض الله عليهم الأسماء ثم قال لهم : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) [البقرة : ٣١] فخافت الملائكة الخطأ إن تكلموا بغير علم تعسفا فوقفت وقالت : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) [البقرة : ٣٢] ولم يبتدعوا. كالرجل الذي يسأل عن الأمر الذي هو به جاهل ، فيتكلم فيه ولا يبالي ، فإن لم يصب فهو مخطئ ، وإن أصاب فهو غير محمود ، لأنه قال تعسفا بغير علم. ولذلك قال الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء : ٣٦]. أي لا تقل ما لم تعلمه يقينا وقال : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [الإسراء : ٣٦]. فلم يرخص لرسوله أن يتكلم أو يعادي أو يقذف إنسانا بالبهتان بالظن من غير يقين. فكيف يصنع أناس يعادون ويعيبون آخرين ، بالظن من غير يقين ، وتفسير الوقوف أنه إذا سئلت عن أمر لا تعلمه من حرام أو حلال أو أنباء من كان قبلنا قلت : الله أعلم به. إذا جاء ثلاثة نفر بحديث لا نعلمه ولا نطيق علم ذلك بالتجارب والمقاييس ترد علم ذلك إلى الله تعالى وتقف. ومن تفسير الإرجاء أنه إذا كنت في قوم على أمر حسن جميل وفارقتهم على ذلك ثم بلغك أنهم صاروا فريقين يقاتل بعضهم بعضا فانتهيت إليهم ، وهم على الأصل الذي فارقتهم عليه وقتل بعضهم بعضا فتسألهم فيقول كل واحد من الفريقين إنه هو المظلوم ، وليس