قال المتعلم : ألست تدري أنه لعل الله يغفر للقاتل ويعذب صاحب النظرة أو ليسا عندك بمنزلة واحدة في الرجاء لهما؟.
قال العالم رحمهالله : قد أعلم أنه إن كان الله يغفر للقاتل فإنّ صاحب النظرة أجدر أن يغفر له ، وإن عذب على النظرة فهو على القتل أجدر أن يعذّب ، لأنه تعالى قال : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣] وصاحب النظرة إذا لم يقتل كان أتقى من القاتل ، وأما ما ذكرت من الرجاء لهما فإنّهما لا يستويان عندي لأني لصاحب الذنب الصغير أرجى مني لصاحب الذنب الكبير ، والقياس في ذلك رجلان ركب أحدهما البحر والآخر ركب نهرا صغيرا ، وأنا أتخوف عليهما الغرق ، وأرجو لهما النجاة جميعا غير أني على صاحب البحر أخوف أن يغرق مني على صاحب النهر الصغير ، وأنا لصاحب النهر الصغير أرجى بالنجاة مني لصاحب البحر ، وكذلك أنا على صاحب الذنب الكبير أخوف مني لصاحب الذنب الصغير ، وأنا لصاحب الذنب الصغير أرجى مني لصاحب الذنب الكبير وأنا في ذلك أرجو لهما وأخاف عليهما على قدر أعمالهما.
قال المتعلم : ما أحسن ما تقيس ولكن أخبرني عن الاستغفار لصاحب الكبيرة أفضل أو الدعاء عليه أو أنت بالخيار فيما بين الدعاء عليه باللعنة والاستغفار فبيّن لي هذا كله.
قال العالم رضي الله عنه : الذنب على منزلتين غير الإشراك بالله تعالى فأي الذنبين ركب هذا العبد فإنّ الدعاء له بالاستغفار أفضل وإن دعوت عليه باللعنة لم تأثم ، وذلك بأنه إذا ركب ذنبا منك وعفوت عنه ولم تدع عليه كان أفضل وإن ركب ذنبا فيما بينه وبين خالقه بعد أن كان لم يشرك بالله فرحمته ودعوت له بالمغفرة لحرمة الشهادة كان هذا أفضل وإن دعوت عليه بالهلاك لم تأثم. وذلك بأنك تقول يا رب خذه بذنبه ، وإنما تكون آثما إذا أنت قلت يا رب خذه بغير ذنب ، فالاستغفار أفضل لخصلتين أما إحداهما فلأنه مؤمن ، والأخرى لأنك لا تستيقن أنّ الله معذبه ، ولو استيقنت أن الله معذبه لكان حراما عليك الاستغفار له ، وقد نهى الله عزوجل أن يستغفر لمن أوجب له النار ، والذي يستغفر الله لمن قال الله أنه يعذبه فيسأل ربه أن يخلف قوله كالذي يقول : يا رب لا تمتني واحدة ، وقد قال الله عزوجل : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] فالدعاء لأهل هذه الشهادة بالمغفرة أفضل لحرمة هذه الشهادة والإقرار بها ، لأنه ليس بشيء يطاع الله فيه أفضل من الإقرار بهذه الشهادة ، وجميع ما أمر الله تعالى به من فرائضه في جنب الإقرار بهذه الشهادة أصغر من البيضة