الماء شديد الجرية فأحدهما على دخوله أجرأ والآخر أجبن أو كرجلين بهما مرض واحد وأتيا بدواء واحد شديد المرارة فأحدهما على شربة أجرأ والآخر أجبن.
قال المتعلم : لحسن ما فسرت لكن أخبرني إن كان إيماننا مثل إيمان الرسل أليس ثواب إيماننا مثل ثواب إيمانهم ، فإن كان ثواب إيماننا مثل ثواب إيمانهم فما فضلهم علينا؟ وقد استوينا في الدنيا بالإيمان واستوينا في الآخرة في ثواب الإيمان فإن كان ثواب إيماننا دون ثواب إيمانهم أليس هذا ظلما ، إذ كان إيماننا مثل إيمانهم ولم يجعل لنا من الثواب ما جعل لهم.
قال العالم رضي الله عنه : لقد أعظمت المسألة ، ولكن تثبت في الفتيا ألست تعلم أن إيماننا مثل إيمانهم ، لأنا آمنا بكل شيء آمنت به الرسل؟ ولهم بعد علينا الفضل في الثواب على الإيمان وجميع العبادة. لأن الله تعالى كما فضّلهم بالنبوة على الناس كذلك فضّل كلامهم وصلاتهم وبيوتهم ومساكنهم وجميع أمورهم على غيرها من الأشياء ، ولم يظلمنا ربنا إذ لم يجعل ثوابنا مثل ثوابهم وذلك أنه كان إنما يكون الظلم لو نقصنا حقنا فأسخطنا. فأما إذا زاد أولئك ولم ينقصنا حقنا وأعطانا حتى أرضينا ، فإنّ ذلك ليس بظلم ، والأنبياء والرسل لهم الفضل في الدنيا على جميع الناس. لأنهم هم القادة ، وهم أمناء الرّحمن. ولا يدانيهم أحد من الناس. في عيادتهم وخوفهم وخشوعهم وتحملهم المؤنات في ذات الله تعالى وكذلك إنما أدرك الناس بإذن الله الفضل بهم. فلهم مثل أجور من يدخل الجنة بدعائهم.
قال المتعلم : لقد وصفت العدل فأوضحت فجزاك الله الجنة ولكن أخبرني هل تعلم من المعاصي شيئا يعذب الله عليه (البتة) غير الشرك أو تزعم أنها كلها مغفورة فإن زعمت أن بعضها مغفور فما المغفور منها؟.
قال العالم رضي الله عنه : ما أعلم شيئا من المعاصي يعذب الله عليه غير الشرك وما أستطيع الشهادة على أحد من أهل المعاصي من أهل القبلة أن الله يعذبه البتة عليها غير الإشراك بالله. وقد علمت أن بعضها مغفور ، ولا أعرفها لقول الله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [النّساء : ٣١] فلست أعرف جميع الكبائر ولا السيئات التي تغفر والتي لا تغفر لأني لا أدري لعل الله يغفر ما دون الشرك من المعاصي كلها لأنه قال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النّساء : ٤٨]. فلست أدري لمن يشاء المغفرة منهم ولمن لا يشاء.