المناكحة والموارثة واتباع الجنائز وأكل الذبائح وأشباه هذا لأن الله تعالى أوجب ذلك كله بين المؤمنين من أجل الإيمان الذي به حرم الله تعالى دماءهم وأموالهم إلا بحدث. وإنما أمر الله تعالى المؤمنين بالفرائض بعد ما أقروا بالدين فقال سبحانه : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) [إبراهيم : ٣١]. وقال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) [البقرة : ١٧٨] ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ) [الأحزاب : ٤١] وأشباه هذا. فلو كانت هذه الفرائض هي الإيمان لم يسمهم مؤمنين حتى يعملوا بها وقد فصل الله تعالى الإيمان من العمل فقال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [البقرة : ٢٥]. وقال : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) [البقرة : ١١٢] أي مع إيمانه. وقال : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ) [الإسراء : ١٩] فجعل الإيمان غير العمل. فالمؤمنون من قبل إيمانهم بالله يصلون ويزكون ويصومون ويحجون ويذكرون الله وليس من قبل صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم بالله يؤمنون. وذلك بأنهم آمنوا ثم عملوا فكان عملهم بالفرائض من قبل إيمانهم بالله. ولم يكن إيمانهم من قبل عملهم بالفرائض. ومثل ذلك أن الرجل إذا كان عليه الدين وهو يقر بالدين ثم يؤدي. وليس يؤدي ثم يقر بالدين. وليس إقراره من قبل أدائه ولكن أداؤه من قبل إقراره. والعبيد من قبل إقرارهم لمواليهم بالعبودية يعملون لهم. وليس من قبل عملهم يقرون لهم بالعبودية. وذلك أنه كم من إنسان يعمل لآخر. ولا يكون بذلك مقرا له بالعبودية. ولا يقع عليه اسم الإقرار بالعبودية. وآخر قد يكون مقرا بالعبودية ولا يعمل فلا يذهب عنه اسم إقراره بالعبودية.
قال المتعلم : لحسن ما فسرت ولكن أخبرني ما الإيمان؟
قال العالم رضي الله عنه : الإيمان هو التصديق والمعرفة واليقين والإقرار والإسلام ، والناس في التصديق على ثلاثة منازل ، فمنهم من يصدق بالله وبما جاء منه بقلبه ولسانه ومنهم من يصدق بلسانه ويكذب بقلبه ومنهم من يصدق بقلبه ويكذب بلسانه.
قال المتعلم : لقد فتحت لي مسألة لم أهتد إليها فأخبروني عن أهل هذه المنازل أهم عند الله مؤمنون؟
قال العالم رحمهالله : من صدق بالله وبما جاء من عند الله بقلبه ولسانه فهو عند الله وعند الناس مؤمن. ومن صدق بلسانه وكذب بقلبه كان عند الله كافرا وعند الناس مؤمنا ، لأن الناس لا يعلمون ما في قلبه. وعليهم أن يسموه مؤمنا بما ظهر لهم من