رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يكن ليفسر الآية الواحدة على نوعين فما كان من القرآن ناسخا فسره لجميع الناس ناسخا ، وكذلك المنسوخ فسره لجميع الناس منسوخا. وأما الأخبار والصفات التي قد كانت فإنه ليس في شيء منها منسوخ ، وإنما دخل الناسخ والمنسوخ في الأمر والنهي.
قال المتعلم : جزاك الله عني الجنة ، فنعم المعلم أنت إنك فتحت لي بابا من العلم لم أهتد له. وقد بيّنت لي من أقاويل هؤلاء القوم ما لا أبالي أن لا أزداد بصيرة في ضعف قولهم وعجز رأيهم. ولكن أخبرني بالرد على الصنف الثاني في قولهم إن دين الله كثير ، وهو العمل بجميع ما افترض الله والكف عن جميع ما حرم الله.
قال العالم رضي الله عنه : ألست تعلم أن رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لم يكونوا على أديان مختلفة لم يكن كل رسول منهم يأمر قومه بترك دين الرسول الذي كان قبله لأن دينهم كان واحدا. وكان كل رسول يدعو إلى شريعة نفسه وينهى عن شريعة الرسول الذي قبله لأن شرائعهم كثيرة مختلفة. ولذلك قال الله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) [المائدة : ٤٨]. وأوصاهم جميعا بإقامة الدين وهو التوحيد وأن لا يتفرقوا لأنه جعل دينهم واحدا فقال : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) (١) وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشّورى : ١٣].
وقال سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)) [الأنبياء : ٢٥]. وقال جلّ وعلا : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [الرّوم : ٣٠]. أي لا تبديل لدينه. فالدين لم يبدل ولم يحول ولم يغير ، والشرائع قد غيرت وبدلت لأنه رب شيء قد كان حلالا لأناس قد حرمه الله عزوجل على آخرين. ورب أمر أمر الله به أناسا ونهى عنه آخرين. فالشرائع كثيرة مختلفة. والشرائع هي الفرائض مع أنه لو كان العمل بجميع ما أمر الله به والكف عن جميع ما نهى الله عنه دينه لكان كل من ترك شيئا مما أمر الله تعالى به أو ركب شيئا مما نهى الله عنه تاركا لدينه ولكان كافرا. وإذا صار كافرا ذهب الذي بينه وبين المسلمين من
__________________
(١) وللدين إطلاق يشمل الأحكام العلمية كقوله تعالى : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) [التّوبة : ١٢٢] وقوله عليهالسلام : «إذا أراد الله بعبد خيرا فقّهه في الدين» فالدين الاستسلام لحكم الدليل القائم. فدليل الاعتقاد قائم دائما فيستسلم له دائما ودليل الأحكام العملية قابل للنسخ فما لم يقم دليل للنسخ فهو قائم الحكم وكذا الناسخ (ز).