قال المتعلم : هو كما قلت ولكن بين لي هل يضرني إذا لم أعرف المخطئ من المصيب؟.
قال العالم رحمهالله : لا يضرك في خصلة ، ويضرك بعد في خصال غير واحدة فأما الخصلة التي لا تضرك فإنها أنك لا تؤاخذ بعمل المخطئ ، وأما الخصال التي تضرك فواحدة منها اسم الجهالة يقع عليك لأنك لا تعرف الخطأ من الصواب ، والثانية عسى أن ينزل بك من الشبهة ما نزل بغيرك ولا تدري ما المخرج منها لأنك لا تدري أمصيب أنت أم مخطئ فلا تنزع عنها ، والثالثة لا تدري من تحب في الله ومن تبغض فيه لأنك لا تدري المخطئ من المصيب.
قال المتعلم : لقد كشفت عني الغطاء وجعلت أرى البرة في مذاكرتك : ولكن أرأيت إن كان رجل يصف عدلا ، ولا يعرف جور من يخالف ولا عدله أيسعه ذلك وأن يقال إنه عارف بالحق أو هو من أهله؟.
قال العالم رحمهالله : إذا وصف عدلا ، ولا يعرف جور من يخالفه فإنه جاهل بالجور والعدل. واعلم يا أخي أن أجهل الأصناف كلها وأرداهم منزلة عندي لهؤلاء ، لأن مثلهم كمثل أربعة نفر يؤتون بثوب أبيض فيسألون جميعا عن لون ذلك الثوب فيقول واحد من هؤلاء الأربعة : هذا ثوب أحمر ، ويقول الآخر هذا ثوب أصفر ، ويقول الثالث ثوب أسود ، ويقول الرابع ثوب أبيض فيقال له ما تقول في هؤلاء الثلاثة أصابوا أم أخطئوا؟ فيقول : أما أنا فقد أعلم أن الثوب أبيض وعسى أن يكون هؤلاء قد صدقوا ، وكذلك هذا الصنف من الناس يقولون إنا نعلم أن الزاني ليس بكافر. وعسى أن يكون الذين يرون أن الزاني إذا زنى نزع منه الإيمان كما ينزع السربال كان صادقا ولا تكذبه. ويقولون إن من مات ولم يحج فقد أطاق الحج فنحن نسميه مؤمنا ونصلي عليه ونستغفر له ونقضي عنه حجه ولا نكذب من يقول : مات يهوديا أو نصرانيا ، ينكرون قول الشيعة ويقولون قولهم ، وينكرون قول الخوارج ويقولون قولهم. وينكرون قول المرجئة ويقولون قولهم ويرون تحقيق ذلك وتزييف أقوال هؤلاء الأصناف الثلاثة ، ويروون في ذلك روايات يزعمون أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم قالها. وقد علمنا أن الله عزوجل إنما بعث رسوله رحمة ليجمع به الفرقة ، وليزيد الألفة. ولم يبعثه ليفرق الكلمة ، يحرش المسلمين بعضهم على بعض. ويزعمون أنه إنما جاء الاختلاف بهذه الروايات لأن منها ناسخا ومنسوخا فنحن نروي كما سمعناه. فويح لهم ما أقل اهتمامهم بأمر عاقبتهم حيث ينتصبون للناس فيحدثونهم بما قد علموا أن بعضه منسوخ ، والعمل بالمنسوخ اليوم ضلالة. فيأخذ به الناس فيضلون. وقد نعلم أن