وأظهر حسن الطريقة حتى وثقه هو وابن عيينة ، وسمع الحديث الكثير ووقف على التفاسير وأظهر التقشف مع العفة ولين الجانب ، وكان ملبوسه جلد ضأن غير مخيط وعلى رأسه قلنسوة بيضاء ، ثم أخذ حانوتا يبيع فيه لبنا ، واتخذ قطعة فرو يجلس عليها ويعظ ويذكر ويحدث ويتخشع حتى أخذ بقلوب العوام والضعفاء من الطلبة لوعظه وبزهده حتى حصر من تبعه من الناس فإذا هم سبعون ألفا ، وكان من غلاة المشبهة وصار يلقي على العوام الآيات المتشابهة والأخبار التي ظواهرها يوافق عقول العوام وما ألفوه ففطن الحذّاق من العلماء فأخذوه ووضعوه في السجن فلبث في سجن نيسابور ثمان سنين ثم لم يزل أتباعه يسعون فيه حتى خرج من السجن وارتحل إلى الشام ومات بها في زعر ولم يعلم به إلا خاصة من أصحابه فحملوه ودفنوه في القدس الشريف وكان أتباعه في القدس أكثر من عشرين ألفا على التعبد والتقشف وقد زيّن لهم الشيطان ما هم عليه وهم من الهالكين وهم لا يشعرون واستمر على ما هم عليه خلق شأنهم حمل الناس على ما هم عليه إلى وقتك هذا.
قال الله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) [فاطر : ٨] قال سعيد بن جبير : هذه الآية نزلت في أصحاب الأهواء والبدع ، المعنى أنه ركض في ميادين الباطل وهو يظنها حقا ، كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول عند هذه الآية : إن الضلالة لها حلاوة في قلوب أهلها والبدعة هي استحسان ما يسوق إليه الهوى والشبهة مع الظن بكونها حقا وهؤلاء ينزع من قلوبهم نور المعرفة وسراج التوحيد من أسرارهم ووكلوا إلى ما اختاروا فضلّوا وأضلّوا (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) [المجادلة : ١٨] حتى ينكشف لهم الأمر كما قال الله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [الزّمر : ٤٧] قيل : عملوا أعمالا ظنوا أنها في كفة الحسنات فإذا هي في كفة السيئات ، وهذه الآية قيل إنها في أهل البدع يتصور (١) ويعتقد مع تمام الورع والزهد وتمام الأعمال الصالحة وفعل الطاعات والقربات ما عاقبته خطرة. ومن ذلك أن يعتقد في ذات الله وصفاته وأفعاله ما هو خلاف الحق ويعتقده على خلاف ما هو به إما برأيه ومعقوله الذي يحاكي به الخصوم وعليه يعول وبه يغتر قد زين له العدو وحلاه له حتى اعتقده دينا ونعمة وإما أخذا بالتقليد ممن هذه حاله ، وهذا التقليد كثير في العوام لا سيما من يعضد بدعته واعتقاده بظاهر آية أو خبر وهو على وفق الطبع والعادة وقد أهلك اللعين بمثل هذا خلقا لا يحصون حتى أنهم يعتقدون أن الحق في
__________________
(١) أي أحدهم ، اه مصححه.