مثال ما هم عليه وأن غيرهم على ضلالة ومثل هؤلاء ومن اتبعوهم إذا بدا لهم ناصية ملك الموت انكشف لهم بطلان (١) ما اعتقدوه حقا باطلا وجهلا وختم لهم بالسوء وخرجت أرواحهم على ذلك وتعذر عليهم التدارك وكذا كل اعتقاد باطل ، ولا يفيد زوال ذلك كثرة التعبد وشدة الزهد وكثرة الصوم والحج وغير ذلك من أنواع الطاعات والقربات لأنها تبع لأمر باطل ولا ينجو أحد إلا بالاعتقاد الحق ، وقد قال تعالى : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) [يونس : ٣٢] وهذه الآية صريحة في أنه ليس بين الحق والباطل واسطة والباطل هو الذهاب عن الحق مأخوذ من ضل الطريق وهو العدول عن سمته والحق هو الصراط المستقيم الذي في قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣)) [الأنعام : ١٥٣] وصف الله تعالى صراطه وهو دينه بالاستقامة وأمر باتباعه ، والمستقيم هو الذي لا اعوجاج فيه فمن اتبعه أوصله إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر.
قال سهل : الصراط المستقيم هو الاقتداء والاتباع وترك الهوى والابتداع ، ثم إنه تعالى نهى عن اتباع السبل لما فيها من الحيدة عن طريق الاستقامة فقال : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام : ١٥٣] أي تميل بكم عن طريقه التي ارتضى وبه (٢) أوصي إلى سبل الضلالات من الأهواء فتهلكوا.
قيل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ما الصراط المستقيم؟ فقال : ما تركنا محمد صلىاللهعليهوسلم في أدناه وطرفه في الجنة وعن يمينه جوادّ وعن يساره جوادّ وثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النار ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة ، ثم تلا : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) [الأنعام : ١٥٣] الآية ، فأشار رضي الله عنه بالرجال الذين على الجوادّ إلى علماء السوء وأهل البدع ، وأشار بقوله : يدعون من مرّ بهم ، إلى الوعّاظ الذين هم سبب هلاك من قعد إليهم.
ولهذا بالغ السلف رضي الله عنهم في التحذير من مجالسة كل أحد وقالوا : إذا جلس للوعظ فتفقدوا منه أمورا فإن كانت فيه فاهربوا منه وإلا هلكتم من حيث ظننتم
__________________
(١) لعل لفظ بطلان من زيادة النساخ ، اه مصححه.
(٢) راعى في وصف الطريق بالتي جواز تأنيثها وراعى في رجوع الضمير إليها في به جواز تذكيره فليعلم ، اه مصححه.