قال محمد بن المنكدر وهو من سادة التابعين وكانت عائشة رضي الله عنها تحبه وتكرمه وتبره : الفقيه يدخل بين الله عزوجل وبين عباده فلينظر كيف يدخل. وصدق ونصح قدس الله روحه. وهذا شأن السلف بذلوا النصيحة للإسلام والمسلمين وكانوا شديدين على من خالف ولا سيما لما ظهر أهل الزيغ وتظاهروا بالتنويه بذكر آيات المتشابه وأحاديثه بالغوا في التحذير منهم ومن مجالستهم وكانوا يقولون هم الذين عنى الله عزوجل في قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) [آل عمران : ٧] الآية وكذا قالت عائشة رضي الله عنها ، وكانوا يقولون إذا جلس أحد للوعظ والتذكير تفقدوا منه أمورا ولا تغتروا بكل واعظ فإن الواعظ إذا لم يكن صادقا ناصحا سليم السريرة من الطمع والهوى هلك وأهلك ، وذكروا أشياء ببعضها تنطفئ نار الشبه التي بها يموه أهل الزيغ ومن لا يقبلها فما ذاك إلا أن الله عزوجل يريد إهلاكه وحشره في زمرة السامرة واليهود والزنادقة ومن يرد الله عزوجل إضلاله فلا هادي له (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) [الرّعد : ٤١](لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء : ٢٣] قسم الخلق إلى شقي وسعيد ، فهو الفعال لما يريد ، فمن اتبع هداه فلا يضل ولا يشقى ، ومن ابتع هوى نفسه الأمّارة وأهل الزيغ والضلالة وحاد عن سبيل من بهم يقتدي هلك في المرقى.
ولنرجع إلى قول السلف رضي الله عنهم : إذا جلس شخص للوعظ فتفقدوا منه أمورا إن كانت فيه وإلا فاهربوا منه وإياكم والجلوس إليه وإلا هلكتم من حيث طلبتم النجاة. قالوا ذلك حين ظهر أهل الزيغ والبدع وكثرت المقالات وذلك بعد وفاة عمر رضي الله عنه ، وحديث حذيفة رضي الله عنه يدل لذلك واللفظ لمسلم قال حذيفة : (كنا عند عمر رضي الله عنه فقال أيكم سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم : نحن سمعناه ، فقال : لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره ، قالوا : أجل ، قال : تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة ، ولكن أيكم سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يذكر التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة رضي الله عنه : فأسكت القوم فقلت : أنا ، قال : أنت لله أبوك؟ قال حذيفة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «تعرض الفتن على القلوب كالحصير فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى يصير على قلبين على أبيض مثل الصفاة فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه» قال حذيفة رضي الله عنه : وحدثته أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر ، قال : قال عمر رضي الله عنه : اكسر لا أبا لك فلو أنه فتح