والمناهج العلية ، يحيى بن معاذ الرازي فقال له : أخبرنا عن الله ، فقال : إله واحد ، فقال له : كيف هو؟ قال : إله قادر ، قال : فأين هو؟ قال : بالمرصاد ، فقال السائل : لم أسألك عن هذا ، فقال : ما كان غير هذا فهو صفة المخلوق ، فأما صفته فالذي أخبرتك عنه.
فالسائل سأل عن الذات والكيفية فأجابه هذا الحبر بالصفات الجلالية القدسية وهذا أخذه من قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون اللعين لما قال له موسى عليهالسلام : (إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الزّخرف : ٤٦] فسأله فرعون : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) [الشّعراء : ٢٣] فقال موسى : (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧)) [الدّخان : ٧] فضمن الجواب العدول عما سأل لأنه عدل فيه عن مطابقة السؤال لأن فرعون سأل عن ماهيته سبحانه وتعالى وموسى أجابه عن قدرته وصفاته فجاز له حين خلط في السؤال وأخطأ وسأل عما لا يمكن إدراكه العدول عن سؤاله فقال فرعون : (أَلا تَسْتَمِعُونَ) [الشّعراء : ٢٥] أنا أسأله عن شيء فيجيب عن غيره ، فقال موسى عليهالسلام : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [الشّعراء : ٢٦] فلما قال موسى عليهالسلام ذلك استشعر فرعون أنه أخطأ في السؤال فخشي أن يدرك ذلك جلساؤه فقال : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشّعراء : ٢٧] رماه بذلك حتى يتخلص ويصير موسى عليهالسلام في مقام لا يلتفت إلى قوله ولا يؤخذ به ، فتأمل أرشدك الله عزوجل وهداك إلى الحق كيف أن ذلك معلوم عند الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وغيرهم عدم العلم بالذات والكيف فلا أجهل ولا أعمى بصيرة من فرعون أهدى منه في معرفته بالعجز عن درك ذاته.
قال الإمام الحافظ محمد بن علي الترمذي صاحب التصانيف المشهورة : (من جهل أوصاف العبودية فهو بنعت الربوبية أجهل).
وقال أهل التحقيق من أهل السنة والجماعة : (من اعتقد في الله عزوجل ما يليق بطبعه كالعامي فهو مشبه فإنه عزوجل منزه عن كل ما يصفه الآدمي أو يتخيله لأن ذلك من صفات الحدث تعالى وتقدس عن ذلك) فإيمان العامي لضعف علمه وعقله يقبل التشكيك (١).
__________________
(١) هذا الكلام ليس على عمومه فإن من العامة من يندهش العالم لمبلغ كمال إيمانه بالله عزوجل وقد يصدق ذلك في بعض العوام الذين لم ينشئوا في حجور أهل الدين ولم يختلطوا بهم وهو أندر من الكبريت الأحمر بين طبقات العوام ، اه مصححه.