وحذفت أبياتا من هذه القصيدة لأني في هذه الورقات على سبيل الاقتصاد والرمز إلى منهج الحق والرشاد.
وسئل الإمام الشافعي قدس الله روحه عن الاستواء فقال : (آمنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك) وهذا شأن الأئمة يمسكون أعنّة الخوض في هذا الشأن مع أنهم أعلم الناس به ولا يخوض فيه إلا أجهل الناس به.
وسئل الإمام أبو حنيفة قدس الله روحه عن ذلك فقال : (من قال لا أعرف الله أفي السماء أم في الأرض فقد كفر لأن هذا القول يؤذن أن لله سبحانه وتعالى مكانا ومن توهم أن لله مكانا فهو مشبه).
وسئل الإمام مالك عن الاستواء فقال : (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة) فنفى العلم بالكيف فمن استدل بكلامه على أنه سبحانه وتعالى فوق عرشه فهو لجهله وسوء فهمه.
وقال الإمام مالك عند قوله : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) [النّحل : ٧٤] من وصف شيئا من ذاته سبحانه وتعالى مثل قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) [المائدة : ٦٤] فأشار بيده إلى عنقه قطعت وكذا السمع والبصر يقطع ذلك منه لأنه شبّه الله بنفسه.
وقال مالك رضي الله عنه : (الاستواء معلوم) يعني عند أهل اللغة ، وقوله : (والكيف مجهول) أي بالنسبة إلى الله عزوجل لأن الكيف من صفات الحدث وكل ما كان من صفات الحدث فالله عزوجل منزّه عنه فإثباته له سبحانه كفر محقق عند جميع أهل السنة والجماعة ، وقوله : (والإيمان به واجب) أي على الوجه اللائق بعظمته وكبريائه ، وقوله : (والسؤال عنه بدعة) لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا عالمين به وبمعناه اللائق بحسب اللغة فلم يحتاجوا إلى السؤال عنه فلما ذهب العالمون به وحدث من لم يعلم أوضاع لغتهم ولا له نور كنورهم شرع يسأل الجهلة بما يجوز على الله عزوجل وفرح بذلك أهل الزيغ فشرعوا يدخلون الشبه على الناس ولذلك تعين على أهل العلم أن يبينوا للناس وأن لا يهملوا البيان لقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران : ١٨٧] فهذه (١) الأئمة
__________________
(١) لعله فهؤلاء ، اه مصححه.