قال ابن الجوزي : وهؤلاء وأتباعهم جهلوا معرفة ما يجوز على الله وما يستحيل عليه ، ومن أعجب ما رأيت لهم ما ذكروا عن ابن أبي شيبة أنه قال في كتاب العرش إن الله قد أخبرنا أنه صار من الأرض إلى السماء ومن السماء إلى العرش فاستوى على العرش ، ثم قال : ونبرأ من أقوام شانوا مذهبنا فعابنا الناس بكلامهم ولو فهموا أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بما يوصف به الخلق لما بنوا أمورهم وقواعدهم على المحسوسات التي بها المساواة بينه وبين خلقه. وفي ذلك تكذيبه في تنزيهه وتقديسه نفسه عزوجل.
وقال أبو الوفاء بن عقيل : تحسب الجهلة أن الكمال في نسبة النقائص إليه فيما نزّه نفسه عنه عزوجل ، والذي أوقعهم في ذلك القياس المظنون وكيف يكون له حكم الدليل وقد قضي عليه دليل العقل بالرد.
قال أبو الفرج ابن الجوزي : والناس في أخبار الصفات على ثلاث مراتب : أحدها : إمرارها على ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل إلا أن تقع ضرورة كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] أي جاء أمره وهذا مذهب السلف ، المرتبة الثانية : التأويل وهو مقام خطر ، المرتبة الثالثة : القول فيها بمقتضى الحس وقد عمّ جهله الناقلين إذ ليس لهم علوم المعقولات التي بها يعرف ما يجوز على الله عزوجل وما يستحيل فإن علم المعقولات يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه فإذا عدموها تصرفوا في النقل بمقتضى الحس ولو فهموا أن الله عزوجل لا يوصف بحركة ولا انتقال ولا جارحة ولا تغير لما بقوا على الحسيات التي فيها عين التشبيه وهو كفر بالقرآن أعاذنا الله من ذلك ، ولا شك أن مذهب السكوت أسلم وقد ندم خلق من أكابر المتكلمين على الخوض في ذلك.
قال أبو المعالي الجويني في آخر عمره : (خليت أهل الإسلام وعلومهم وركبت البحر الأعظم وغصت في الذي نهوا عنه والآن رجعت إلى قولهم عليكم بدين العجائز فإن لم يدركني الحق بلطفه وأموت على دين العجائز وإلا فالويل لابن الجويني).
قال أبو الوفاء بن عقيل : معنى دين العجائز أن المدققين بالغوا في البحث والنظر ولم يشهدوا ما يشفي العقل من التعليل فوقفوا مع المراسم واستطرحوا وقالوا لا ندري.