قال الخطابي : واليهود مشبهة ونزول الآية دليل على إنكار الرسول عليهم ولهذا ضحك عليه الصلاة والسلام على وجه الإنكار وليس معنى الأصابع معنى الجارحة لعدم ثبوته بل يطلق الاسم في ذلك على ما جاء به الكتاب من غير تكييف ولا تشبيه. وقال غيره : من حمل الأصابع على الجارحة فقد رد على الله سبحانه وتعالى في قوله : (سُبْحانَهُ) [البقرة : ١١٦] وأدخل نفسه في أهل الشرك لقوله تعالى : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [يونس : ١٨] وهو عزوجل يذكر في كتابه المبين التحرس عما لا يليق دفعا وردا لأعدائه كقوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ) [البقرة : ١١٦] وقال تعالى : (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ) [الأنعام : ١٠٠] ونحو ذلك.
وآكد من ذلك قوله : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (٣)) [الجنّ : ٣] قدّم تنزيهه عزوجل أولا في هذه الآية والقرآن طافح بذلك ومنها ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال : «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش أن رحمتي غلبت غضبي» وفي لفظ «سبقت» قال القاضي المشبه تلميذ ابن حامد : ظاهر قوله عنده القرب من الذات وما قاله يستدعي القرب والمساحة وذلك من صفات الأجسام وقد عمي عن قوله تعالى : (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) [هود : ٨٣] ومن المعلوم أنك تقول عندي فوق الغرفة كتاب كذا وهو في موضع شاسع نازل عن الغرفة بمسافة بعيدة ثم إن هذا القاضي روى عن الشعبي أنه قال إن الله قد ملأ العرش حتى أن له أطيطا كأطيط الرحل وهو كذب على الشعبي.
وقال بعضهم : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤] قعد عليه. وقال ابن الزاغوني : خرج عن الاستواء بأربع أصابع. ولهم ولأتباعهم مثل ذلك خبائث كلها صريحة في التشبيه والتجسيم لا سيما في مسألة الاستواء وهو سبحانه وتعالى متنزه عما لا يليق به من صفات الحدث ، ثم إن هؤلاء الجمادات وأعالي الجهلة يلزمهم أن يقولوا في الحديث الذي رواه مسلم وغيره ما لم يمكن القول به من أجهل الناس «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها» إلخ ، وبالضرورة لا يكون سبحانه جارحة لعبده ومع هذا يلزم التعدد بحسب المتقربين والتجزئة والتفرقة وغير ذلك مما لا يقوله حمار بل ولا جماد تعالى الله وتقدس عن ذلك.