قال أبو الفرج : وقد ذهب طائفة من أصحابنا إلى أن الله عزوجل على عرشه ما ملأه وأنه يقعد نبيه معه العرش ، ثم قال : والعجب من قول هذا ما نحن مجسمة وهو تشبيه محض تعالى الله عزوجل عن المحل والحيز لاستغنائه عنهما ولأن ذلك مستحيل في حقه عزوجل ولأن المحل والحيز من لوازم الأجرام ولا نزاع في ذلك وهو سبحانه وتعالى منزّه عن ذلك لأن الأجرام من صفات الحدث وهو عزوجل منزّه عن ذلك شرعا وعقلا بل هو أزلي لم يسبق بعدم بخلاف الحادث.
ومن المعلوم أن الاستواء إذا كان بمعنى الاستقرار والقعود لا بد فيه من المماسة. والمماسة إنما تقع بين جسمين أو جرمين والقائل بهذا شبه وجسم وما أبقى في التجسيم والتشبيه بقية كما أبطل دلالة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : ١١] ومن المعلوم في قوله تعالى : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) [الزّخرف : ١٣] أنه الاستقرار على الأنعام والسفن وذلك من صفات الآدميين فمن جعل الاستواء على العرش بمعنى الاستقرار والتمكن فقد ساوى بينه عزوجل وبين خلقه وذلك من الأمور الواضحة التي لا يقف في تصورها بليد فضلا عمن هو حسن التصور جيد الفهم والذوق وحينئذ فلا يقف في تكذيبه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : ١١] وذلك كفر محقق.
ثم من المعلوم أن الاستواء من الألفاظ الموضوعة بالاشتراك وهو من قبيل المجمل فدعواه أنه بمعنى الاستقرار في غاية الجهل لجعله المشترك دليلا على أحد أقسامه خاصة فالحمار مع بلادته لا يرضى لنفسه أن يكون ضحكة لجعله القسم قسيما فمن تأمل هؤلاء الحمقى وجدهم على جهل مركب يحتجون بالأدلة المجملة التي لا دليل فيها قطعا عند أهل العلم ويتركون الأدلة التي ظاهرها في غاية الظهور في الدليل على خلاف دعواهم بل بعضها نصوص كما قدمته في حديث النخامة وغيرها فتنبه لذلك لتبقى على بصيرة من جهل أولئك.
ومن المعلوم أنه عزوجل واجب الوجود كان ولا زمان ولا مكان وهما أعني الزمان والمكان مخلوقان وبالضرورة أن من هو في مكان فهو مقهور محاط به ويكون مقدرا ومحدودا وهو سبحانه وتعالى منزّه عن التقدير والتحديد وعن أن يحويه شيء أو يحدث له صفة تعالى الله عما يصفون وعما يقولون علوا كبيرا.
فإن قيل ففي الصحيحين من حديث شريك بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه أنه ذكر المعراج وفيه «فعلا بي الجبار تعالى فقال وهو في مكانه يا رب خفف عنا» .. الحديث ، فالجواب أن الحافظ أبا سليمان الخطابي قال : إن هذه لفظة تفرّد بها شريك