وفي الترمذي في حديث العنان وفيه ذكر الأرضين السبع وأن بين كل أرض والأخرى كما بين السماء والأرض ، ثم قال عليه الصلاة والسلام : «والذي نفسي بيده لو دلى أحدكم بحبل لوقع على الله سبحانه وتعالى» ومثل هذه الأدلة كثير وكلها قاضية بالكون السفلي دون العلوي.
واعلم أن الاستواء في الغلة على وجوه وأصله افتعال من السواء ومعناه أي السواء العدل والوسط وله وجوه في الاستعمال منها الاعتدال. قال بعض بني تميم : استوى ظالم العشيرة والمظلوم ، أي اعتدلا ، ومنها إتمام الشيء ، ومنه قوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) [القصص : ١٤] ومنها القصد إلى الشيء ، ومنه قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [البقرة : ٢٩] أي قصد خلقها ، ومنها الاستيلاء على الشيء ، ومنه قول الشاعر :
ثم استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
وقال آخر :
إذا ما غزا قوما أباح حريمهم |
|
وأضحى على ما ملكوه قد استوى |
ومنها بمعنى استقر ، ومنه قوله تعالى : (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) [هود : ٤٤] وهذه صفة المخلوق الحادث كقوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) [الزّخرف : ١٢ ، ١٣] وهو نزّه نفسه سبحانه عن ذلك في كتابه العزيز في غير ما موضع.
وقطع المادة في ذلك أن المسألة علمية وكفى الله المؤمنين القتال والجدال.
قال أبو الفرج بن الجوزي : وجميع السلف على إمرار هذه الآية كما جاءت من غير تفسير ولا تأويل.
قال عبد الله بن وهب : كنا عند مالك بن أنس ودخل رجل فقال : يا أبا عبد الله (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)) [طه : ٥] كيف استواؤه؟ فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)) [طه : ٥] كما وصف نفسه ولا يقال له كيف وكيف عنه مرفوع. وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه. فأخرج.
كان ابن حامد يقول : المراد بالاستواء القعود. وزاد بعضهم : استوى على العرش بذاته فزاد هذه الزيادة وهي جرأة على الله بما لم يقل.