ولم يذكرها غيره وهو كثير التفرد بمناكير الألفاظ والمكان لا يضاف إلى الله سبحانه وتعالى إنما هو مكان النبي صلىاللهعليهوسلم ومقامه الأول الذي أقيم فيه.
وفي الحديث «فأستأذن على ربي وهو في داره» يوهم مكانا وإنما المعنى في داره التي دورها لأوليائه. وقد قال القاضي أبو يعلى في كتابه (المعتمد) أن الله سبحانه وتعالى وتقدس لا يوصف بمكان فإن قيل يلزم من كلامكم نفي الجهات ونفيها يحيل وجوده فالجواب أن هذا السؤال ساقط فيه تمويه على الأغبياء يجرون الجهات المتعلقة بالآدميين بالنسبة إلى الله عزوجل عن ذلك. وأيضا إن كان الموجود يقبل الاتصال والانفصال فمسلم فأما إذا لم يقبلهما فليس خلوه من طرفي النقيض بمحال ويوضح هذا أنك لو قلت كل موجود لا يخلو أن يكون عالما أو جاهلا قلنا إن كان ذلك الموجود يقبل الضدين فنعم فأما إذا لم يقبلهما كالحائط مثلا فإنه لا يقبل العلم ولا الجهل ونحن ننزه الذي ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى كما نزّه نفسه عن كل ما يدل على الحدث وما ليس كمثله شيء لا يتصوره وهم ولا يتخيله خيال والتصور والخيال إنما هما من نتائج المحسوسات والمخلوقات تعالى عن ذلك ، ومن هنا وقع الغلط واستدراج العدو فأهلك خلقا وقد تنبّه خلق لهذه الغائلة فسلّموا وصرفوا عنه عقولهم إلى تنزيهه سبحانه وتعالى فسلّموا.
ومن الأحاديث التي يحتجون بها حديث عبد الرّحمن بن عائش عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي : فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت أنت أعلم يا رب ، فوضع كفيه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماوات وما في الأرض» وهذا الحديث قال الإمام أحمد فيه أن طرقه مضطربة ، وقال الدارقطني كل أسانيده مضطربة ليس فيها صحيح ، وقال البيهقي روي من أوجه كلها ضعيفة وأحسن طرقه يدل على أن ذلك كان في النوم ويدل على ذلك أنه روي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال : «أتاني آت في أحسن صورة فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت : لا أدري ، فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعرفت كل شيء يسألني عنه» وروي من حديث ثوبان رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد صلاة الصبح فقال : «إن ربي أتاني الليلة في أحسن صورة فقال لي : يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت : لا أعلم يا رب ، فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري فتجلّى لي ما بين السماء والأرض» وروي من وجوه كثيرة فهي أحاديث مختلفة وليس فيها ما يثبت مع أن عبد الرّحمن لم يسمعه من النبي صلىاللهعليهوسلم وعلى وجه التنزل فالمعنى راجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم.